صفحة جزء
الحكم الثاني فيما يتعلق بالقتال :

( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون )

قوله تعالى : ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون )

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : اعلم أنه عليه الصلاة والسلام كان غير مأذون في القتال مدة إقامته بمكة ، فلما هاجر أذن له في قتال من يقاتله من المشركين ، ثم أذن له في قتال المشركين عامة ، ثم فرض الله الجهاد . واختلف العلماء في هذه الآية فقال قوم : إنها تقتضي وجوب القتال على الكل . وعن مكحول أنه كان يحلف عند البيت بالله أن الغزو واجب ، ونقل عن ابن عمر وعطاء : أن هذه الآية تقتضي وجوب القتال على أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام في ذلك الوقت فقط .

حجة الأولين أن قوله : ( كتب ) يقتضي الوجوب وقوله : ( عليكم ) يقتضيه أيضا ، والخطاب بالكاف في قوله : ( عليكم ) لا يمنع من الوجوب على الموجودين وعلى من سيوجد بعد ذلك ، كما في قوله : ( كتب عليكم القصاص ) [البقرة : 178] ، ( كتب عليكم الصيام ) [البقرة : 183] .

فإن قيل : ظاهر الآية هل يقتضي أن يكون واجبا على الأعيان أو على الكفاية .

قلنا : بل يقتضي أن يكون واجبا على الأعيان ; لأن قوله : ( عليكم ) أي : على كل واحد من آحادكم كما في قوله : ( كتب عليكم القصاص ) ( كتب عليكم الصيام ) حجة عطاء أن قوله : ( كتب ) يقتضي الإيجاب ، ويكفي في العمل به مرة واحدة ، وقوله : ( عليكم ) يقتضي تخصيص هذا الخطاب بالموجودين في ذلك الوقت ، إلا أنا قلنا : إن قوله : ( كتب عليكم القصاص ) [البقرة : 178] ( كتب عليكم الصيام ) [البقرة : 183] حال الموجودين فيه كحال من سيوجد بعد ذلك ، بدلالة منفصلة ، وهي الإجماع ، وتلك الدلالة مفقودة ههنا ، فوجب أن يبقى على الوضع الأصلي ، قالوا : ومما يدل على صحة هذا القول قوله تعالى : ( وكلا وعد الله الحسنى ) [الحديد : 10] ولو كان القاعد مضيعا فرضا لما كان موعودا بالحسنى ، اللهم إلا أن يقال : الفرض كان ثابتا ثم نسخ ، إلا أن التزام القوم بالنسخ من غير أن يدل عليه دليل غير جائز ، ويدل عليه أيضا قوله تعالى : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) [التوبة : 122] والقول بالنسخ غير جائز على ما بيناه ، والإجماع اليوم منعقد على أنه من فروض الكفايات ، إلا أن يدخل المشركون ديار المسلمين فإنه يتعين الجهاد حينئذ على الكل ، والله أعلم . [ ص: 24 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية