صفحة جزء
المسألة الثالثة : اختلفوا في أن المراد بهذا الإنفاق هو الإنفاق الواجب أو التطوع ، أما القائلون بأنه هو [ ص: 43 ] الإنفاق الواجب ، فلهم قولان :

الأول : قول أبي مسلم يجوز أن يكون العفو هو الزكاة فجاء ذكرها ههنا على سبيل الإجمال ، وأما تفاصيلها فمذكورة في السنة .

الثاني : أن هذا كان قبل نزول آية الصدقات فالناس كانوا مأمورين بأن يأخذوا من مكاسبهم ما يكفيهم في عامهم ، ثم ينفقوا الباقي ، ثم صار هذا منسوخا بآية الزكاة ، فعلى هذا التقدير تكون الآية منسوخة .

القول الثاني : أن المراد من هذا الإنفاق هو الإنفاق على سبيل التطوع ، وهو الصدقة ، واحتج هذا القائل بأنه لو كان مفروضا لبين الله تعالى مقداره ، فلما لم يبين بل فوضه إلى رأي المخاطب علمنا أنه ليس بفرض .

وأجيب عنه : بأنه لا يبعد أن يوجب الله شيئا على سبيل الإجمال ، ثم يذكر تفصيله وبيانه بطريق آخر .

أما قوله : ( كذلك يبين الله لكم الآيات ) فمعناه أني بينت لكم الأمر فيما سألتم عنه من وجوه الإنفاق ومصارفه فهكذا أبين لكم في مستأنف أيامكم جميع ما تحتاجون .

وقوله : ( لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة ) فيه وجوه :

الأول : قال الحسن : فيه تقديم وتأخير ، والتقدير : كذلك يبين الله لكم الآيات في الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون .

والثاني : ( كذلك يبين الله لكم الآيات ) فيعرفكم أن الخمر والميسر فيهما منافع في الدنيا ومضار في الآخرة ، فإذا تفكرتم في أحوال الدنيا والآخرة علمتم أنه لا بد من ترجيح الآخرة على الدنيا .

الثالث : يعرفكم أن إنفاق المال في وجوه الخير لأجل الآخرة وإمساكه لأجل الدنيا فتتفكرون في أمر الدنيا والآخرة وتعلمون أنه لا بد من ترجيح الآخرة على الدنيا .

واعلم أنه لما أمكن إجراء الكلام على ظاهره كما قررناه في هذين الوجهين ففرض التقديم والتأخير -على ما قاله الحسن - يكون عدولا عن الظاهر لا لدليل ، وأنه لا يجوز .

التالي السابق


الخدمات العلمية