صفحة جزء
الفصل الثاني :

أن العاجز عن استعمال الماء لعدمه قسمان :

أحدهما : ما يعدم فيه الماء كثيرا وهو السفر .

والثاني : ما يندر فيه عدم الماء . فأما المسافر فيتيمم في قصير السفر وطويله في المشهور من المذهب ، ولا إعادة عليه ؛ لقوله تعالى : ( أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا ) .

وسواء كان السفر إلى قرية أخرى أو أرض من أعمال مصره كالحراث والحصاد والحطاب وأشباههم ، إذا حضرت الصلاة ولا ماء معه ولا يمكنه الرجوع إلى المصر إلا بتفويت حاجته ، وفيه وجه : أنه يعيد ؛ لأنه في عمل مصره بخلاف من كان في عمل قرية أخرى ، وسواء أمكنه حمل الماء لوضوئه أو لم يمكنه ؛ لأن الاستعداد للوضوء قبل وجوبه لا يجب ، وعنه إنما ذلك إذا لم يمكنه حمل الماء ، فإن أمكنه حمل ماء لوضوئه وجب عليه ولم يجز له التيمم ، وسواء كان سفر طاعة أو معصية لأنه عزيمة ، ولأن التيمم لا يختص بالسفر بل يجب حضرا وسفرا ، ويخرج أن يجب عليه الإعادة في سفر المعصية لأن التيمم رخصة من حيث عدم وجوب القضاء ، عزيمة من حيث وجوب فعل الصلاة ، فيجمع بين العزيمة ووجوب القضاء المتبقي بسبب الرخصة ، وهذا يشبه ما إذا عدم الماء بعد الوقت فإنه عدمه بسبب محرم .

[ ص: 425 ] الثاني : كالمحبوس في المصر وأهل بلد قطع الماء عدوهم ، فهذا يصلي بالتيمم ، وعنه : لا يصلي حتى يجد الماء أو يسافر ، اختارها الخلال ؛ لأن الله إنما أذن في التيمم للمسافر ، والصحيح الأول ، لما روى أبو ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير ) رواه أحمد والترمذي وصححه .

ولأنه عادم للماء فأشبه المسافر ، وإنما خص بالذكر لأنه إنما يعدم غالبا فيه ، والمنطوق إذا خرج على الغالب لم يكن له مفهوم مراد .

وإذا صلى لم يعد في المشهور من المذهب ، ومن قال : يعيد في الأعذار النادرة مثل عدم الماء والتراب ومن خشي البرد فتيمم ، قال : يعيد هنا ؛ لأن القياس يقتضي أن من أخل بشرط من شروط الصلاة أعاد إذا قدر عليه ، إلا أنه عفي عنه فيما يكثر ويشق كما قلنا : إن الحائض تقضي الصوم لأنه لا يتكرر ولا تقضي الصلاة لأنها تتكرر ، ولأن الصلاة المفعولة على وجه الخلل غير مبرئة للذمة في الأصل ، وإنما فعلت إقامة لوظيفة الوقت ، والصحيح الأول ؛ لأن الله إنما خاطب بصلاة واحدة يفعلها بحسب الإمكان ، والشرط المعجوز عنه ساقط بالعجز ، وفي قوله : ( الصعيد الطيب طهور المسلم ) وقوله : ( التراب كافيك ) دليل على أنه يقوم مقام الماء مطلقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية