صفحة جزء
[ ص: 461 ] الفصل الرابع :

أنه يحرم وطؤها في الفرج ، فأما الاستمتاع منها فيما دون الفرج مثل القبلة واللمس والوطء دون الفرج ، فلا بأس به لقول الله سبحانه وتعالى : ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ) والمحيض إما أن يكون اسما لمكان الحيض كالقبل والمنبت ، فيختص التحريم بمكان الحيض وهو الفرج ، أو هو الحيض وهو الدم نفسه لقوله : " أذى " أو نفس خروج الدم الذي يعبر عنه بالمصدر كقوله : ( واللائي يئسن من المحيض ) فقوله على هذا التقدير : ( في المحيض ) يحتمل مكان الحيض ويحتمل زمانه وحاله ، فإن كان الأول فمكان المحيض هو الفرج ، وإن كان المراد فاعتزلوا النساء في زمن المحيض ، فهذا الاعتزال يحتمل اعتزالهن مطلقا كاعتزال المحرمة والصائمة .

ويحتمل اعتزال ما يراد منهن في الغالب وهو الوطء في الفرج ، وهذا هو المراد بالآية لوجوه :

أحدها : أنه قال : ( هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ) فذكر الحكم بعد الوصف بحرف الفاء وذلك يدل على أن الوصف هو العلة لا سيما وهو مناسب للحكم كقوله : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) فإذا كان الأمر باعتزالهن من الإيذاء إضرارا أو تنجيسا وهذا مخصوص بالفرج فيختص بمحل سببه .

وثانيها : أن الإجماع منعقد على أن اعتزال جميع بدنها ليس هو المراد ، كما فسرته السنة المستفيضة فانتفت الحقيقة المعنوية فتعين حمله على [ ص: 462 ] الحقيقة العرفية وهو المجاز اللغوي وهو اعتزال الموضع المقصود في الغالب وهو الفرج لأنه يكنى عن اعتزاله باعتزال المرأة كثيرا ، كما يكنى عن مسه بالمس والإفضاء مطلقا ، وبذلك فسره ابن عباس فيما رواه ابن أبي طلحة عنه في قوله : ( فاعتزلوا النساء في المحيض ) بقوله : " فاعتزلوا نكاح فروجهن " رواه عبد بن حميد ، وابن حزم ، وأبو بكر عبد العزيز وغيرهم في تفاسيرهم .

فأما اعتزال الفرج وما بين السرة والركبة فلا هو حقيقة اللفظ ولا مجازه .

وثالثها : أن السنة قد فسرت هذا الاعتزال بأنه ترك الوطء في الفرج ، فروى أنس " أن اليهود كانت إذا حاضت امرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت ، فسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اصنعوا كل شيء إلا النكاح " وفي لفظ " إلا الجماع " رواه الجماعة إلا البخاري .

والجماع عند الإطلاق هو الإيلاج في الفرج ، فأما في غير الفرج فليس هو كالجماع ولا نكاح ، وإنما يسمى به توسعا عند التقييد فيقال : الجماع فيما دون الفرج ؛ لكونه بالذكر في الجملة ، وكذلك جميع الأحكام المتعلقة بالجماع إنما تتعلق بالإيلاج لا سيما الاستمتاع في الفرج ، فما فوق السرة جائز إجماعا ، وروى أبو داود عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها شيئا " وعن عائشة أن رسول الله صلى الله [ ص: 463 ] عليه وسلم سئل عن ما يحل للرجل من امرأته الحائض " فقال : تجنب شعار الدم " رواه ابن بطة .

ولأنه محل حرم للأذى فاختص التحريم بمحل الأذى كالوطء في الدبر ، ولا يقال : هذا يخشى منه مواقعة المحظور ؛ لأن الأذى القائم بالفرج ينفر عنه كما ينفر عن الوطء في الدبر ، ولذلك أبيح له ما فوق الإزار إجماعا ، ثم إنه إذا أراد ذلك ألقى على فرجها شيئا كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يصيبه الأذى ، ولو روعي هذا فحرم جميع بدنها كالمحرمة والصائمة والمعتكفة ، ومع هذا فالأفضل أن يقتصر في الاستمتاع على ما فوق الإزار لأنه هو الغالب على استمتاع النبي صلى الله عليه وسلم بأزواجه .

قالت عائشة : " كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تأتزر بإزار في فور حيضتها ثم يباشرها " متفق عليه ، وعلى نحوه من حديث ميمونة ولأنه أبعد له " عن " الإلمام بالموضع المعتاد بخلاف الدبر فإنه ليس بمعتاد ، والفرج المباح يغني عن الدبر فلا يفضي إليه ، ثم القرب منه ضروري وهنا ليس هناك فرج مباح ولا ضرورة فنهاب الإلمام به على العادة السابقة أو يلوثه الدم ، مع ما في ذلك من الخروج من اختلاف العلماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية