صفحة جزء
فصل

وتجب الكفارة على العالم والجاهل سواء كان جاهلا بالحيض وبالتحريم أو بهما ، وكذلك الناسي كالعامد في المنصوص من الوجهين ، وفي الآخر لا يجب . قاله ابن أبي موسى وغيره ؛ لأنه معذور ولأنها كفارة صغرى فلم تجب مع السهو ككفارة اليمين ، والأول أشهر ؛ لأن الحديث عام ، وقد روى حرب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " أتى جارية له فقالت : إني حائض ، فكذبها فوقع عليها فوجدها حائضا ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال له : يغفر الله لك أبا حفص ، تصدق بنصف [ ص: 469 ] دينار . ولأن المحرم أو الصائم إذا وطئ ناسيا وجبت الكفارة في المشهور من الروايتين ، وكذلك هنا فإن وطئها طاهرا فحاضت في أثناء الوطء ، فإن استدام لزمته الكفارة وإن نزع في الحال انبنى على أن النزع هل هو جماع ؟ وفيه قولان لأصحابنا ، أحدهما : هو جماع ، فإذا قال لامرأته : أنت طالق ثلاثا إن جامعتك ، لم يجز له أن يجامعها أبدا في إحدى الروايتين ؛ خشية أن يقع النزع في غير ملك ، وإذا طلع عليه الفجر وهو مولج فنزع في الحال لزمته الكفارة ، كما اختاره ابن حامد والقاضي ، فعلى هذا تلزمه الكفارة هنا على الوجه المنصوص ، وهو اختيار ابن حامد ؛ لأن أكثر ما فيه أنه معذور والمعذور تلزمه الكفارة في النزع كما تلزمه في الصيام والإحرام ، وعلى الوجه الذي اختاره ابن أبي موسى لا كفارة عليه .

والقول الثاني : ليس النزع بجماع فلا شيء عليه هنا ، كما لا يفسد صومه بالنزع عند أبي حفص ، ولا يأثم به في اليمين على إحدى الروايتين ، وهل تجب الكفارة بوطء الصبي والمجنون ؟ على وجهين .

وتجب من الذهب الخالص ، قال جماعة من أصحابنا ، وسواء كان تبرا أو مضروبا ، ويتوجه أن لا يجزئه إلا المضروب لأن الدينار اسم للمضروب خاصة ، ولهذا يلزمه ذلك في الدية ، ولو كان ماله دنانير فأخرج عنها مكسرا لزمه أن يخرج الفضل بينهما في الزكاة ، ويجوز أن يعطيها لواحد وجماعة ؛ لأنه لم ينص على عدد فأشبهت النذر ، وإخراج القيمة هنا كإخراجها في الزكاة والكفارة ، وكذلك الدراهم عن الدنانير ، وقيل : يجوز هنا وإن لم يجزئه هناك كالخراج والجزية .

وأما المصرف فهو مصرف الكفارات في أحد الوجهين ، وهم الفقراء والمساكين وكل من يعطى من الزكاة بخاصة كابن السبيل والغارم لمصلحة [ ص: 470 ] نفسه والمكاتب ، وفي الوجه الآخر هم المساكين خاصة ، وكذلك كل صدقة مطلقة هل تسقط بالعجز ؟ على روايتين ذكرهما القاضي ، إحداهما : تسقط واختارها ابن حامد وغيره ككفارة الوطء في رمضان ، ولأنه حق مالي ليس ببدل ولا له بدل ، فأشبه صدقة الفطر والمال ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا صدقة إلا عن ظهر غنى " والثانية : أنها لا تسقط ، واختارها بعضهم ككفارة اليمين والظهار والإحرام .

التالي السابق


الخدمات العلمية