صفحة جزء
مسألة

( وأقل الحيض يوم وليلة )

الأصل في هذا الكلام أن الأسماء التي علقت الأحكام بها في الشرع ثلاثة أقسام :

أحدها : ما بين حده ومقداره بالشرع كأعداد الصلاة ومواقيتها ونصب الزكوات وفرائضها وعدد الطوفات ، ونحو ذلك .

وثانيها : ما يعلم حده ومقداره من جهة اللغة كالليل والنهار والبرد والفجر والسنة والشهر ونحو ذلك .

وثالثها : ما ليس له حد في الشرع ولا في اللغة فالرجوع فيه إلى ما تعرفه الناس ويعتادونه كالجود والقبض والتفرق ونحو ذلك ، والحيض شبيه [ ص: 475 ] بهذا القسم ، فإن الدم الخارج من الفرج قسمان : دم حيض ودم عرق ولا بد من الفصل بينهما لترتيب أحكام الحيض على عدم الحيض دون الدم الآخر .

ولا شك أن دم الحيض دم طبيعة وجبلة مثل خروج المني والبول وغير ذلك من الإنسان ، ودم الاستحاضة دم فساد ومرض وعرق ، فإذا خرج الدم على الوجه المعتاد في النساء كان دم حيض ، وإن خرج من العادة كان استحاضة بمنزلة الجرح ، والغالب على النساء أنهن يحضن ستا أو سبعا ، وقد وجد كثيرا من تحيض أقل من ذلك ، قال عطاء بن أبي رباح : " رأيت من النساء من كانت تحيض يوما ومن كانت تحيض خمسة عشر يوما " وذكر إسحاق بن راهويه عن بكر المزني أنه قال :

" تحيض إمائي يومين " وذكر عبد الرحمن بن مهدي عن امرأة يقال لها أم العلا قالت : " حيضتي منذ آباد الدهر يومان ، فلم تزل على ذلك حتى قعدت عن الحيض " . وقال الشافعي : " رأيت امرأة أثبت لي عنها أنها لم تزل تحيض يوما لا تزيد عليه ، وأثبت لي عن نساء أنهن لم يزلن يحضن أقل من ثلاثة أيام " وقال إسحاق : " قد صح في زماننا عن غير واحدة أنها قالت : " حيضتي يومان " ، قال : وقالت امرأة معروفة من أهلنا : " لم أفطر منه عشرين سنة في رمضان إلا يومين " وقال أبو عبد الله ، الزبير المصري " كان من نسائنا من تحيض يوما ومن تحيض خمسة عشر يوما " فإذا كان هؤلاء العلماء قد أخبروا بذلك علم أن في النساء من تحيض اليوم واليومين كثيرا فصار ذلك أمرا معروفا معتادا في النساء ، وكذلك قال الخلال : " مذهب أبي [ ص: 476 ] عبد الله لا اختلاف فيه أن أقل الحيض يوم وأكثره خمسة عشر " . لكن اختلفت الرواية في هذا اليوم ، فعنه هو يوم بليلته كما ذكره الشيخ ، وعنه يوم بدون ليلته ، اختاره أبو بكر ؛ لأن الأوزاعي قال : " عندنا امرأة تحيض بكرة وتطهر عشية " ولأن الأصل في كل دم خارج أن يكون حيضا ؛ لأن دم الاستحاضة دم عارض لعلة والأصل عدمها ، والأولى اختيار الخرقي وأكثر أصحابنا لأن اليوم المطلق هو بليلته ، ولأن ذلك هو ما ثبت تكرره في النساء وما دون ذلك لم ينقل إلا عن واحد فلا يثبت العرف والعادة به ، كما لم تثبت العادة حق المرأة بمرة واحدة ، فأما ما دون اليوم إذا وجد فلا يكون حيضا لأنه لم يثبت في ذلك حيض معتاد فأشبه دم الصغيرة والآيسة ، ولأن الحيض يمنع الصوم والصلاة كما في الأحاديث ، والمجة الواحدة لا تمنع ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية