صفحة جزء
مسألة :

" وتغسل نجاسة الكلب والخنزير سبعا إحداهن بالتراب " .

أما الكلب والخنزير فلا يختلف المذهب في نجاستهما وفي وجوب غسل الإناء من نجاستهما سبعا إحداهن بالتراب لما روى أبو هريرة أن رسول [ ص: 86 ] الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا " رواه الجماعة ، ولمسلم : " طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب " ، ولمسلم أيضا : " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرار " .

فلما أمر بإراقة الإناء وسمي الغسل طهورا دل على النجاسة ؛ إذ الطهارة الواجبة في عين البدن لا تكون إلا عن نجاسة ، وعنه : أنه يجب غسلها ثمانيا لما روى عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة في التراب " رواه مسلم وغيره ، والصحيح أنه عد التراب ثامنة وإن لم تكن غسلة كما قال تعالى : ( ثلاثة رابعهم كلبهم ) يحقق ذلك أن أهل اللغة قالوا : إذا كان اسم فاعل على العدد من غير جنس المفعول يجعله زائدا كما قال الله تعالى : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ) ، وإن كان من جنسه جعله أحدهم لقوله ( ثاني اثنين ) ، فلما قال : " سبع مرات " علم أن [ ص: 87 ] التراب سماه ثامنا لأنه من غير الجنس وإلا قال : فاغسلوه ثمانيا وعفروه الثامنة ، كما روى أبو داود في حديث أبي هريرة : " إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات السابعة بالتراب " .

وإذا ثبت هذا الحكم في الكلب فالخنزير الذي لا يباح اقتناؤه والانتفاع به أصلا ونص عليه القرآن أولى ، وله أن يستعمل التراب في أي غسله شاء فإن كان المحل يتضرر بالتراب لم يجب استعماله في أصح الوجهين .

ويجزئ موضع التراب الأشنان والصابون ونحوهما في " أقوى الوجوه " .

وقيل : لا يجزئ مطلقا ، وقيل : لا يجزئ إلا عند عدم التراب ، وأما الغسلة الثامنة فلا تجزئ بدل التراب في الأصح ويجب التسبيع ، والتراب في جميع نجاسات الكلب من الريق والعرق والبول وغيرها ، وكذلك في جميع موارد نجاسته التي لا تتضرر بالتراب في المشهور ، وقيل عنه : لا يجب التراب إلا في الإناء خاصة ، وأما سائر الحيوانات فعلى قسمين : أحدهما : ما يؤكل لحمه فهذا طاهر ، وكذلك ما لا يؤكل لحمه لشرفه وهو الإنسان سواء كان مسلما أو كافرا ولا يكره سؤره في ظاهر المذهب وعنه يكره سؤر الكافر .

والثاني ما لا يؤكل لحمه وهو ضربان : أحدهما ما هو طواف علينا كالهر وما دونها في الخلقة مثل الحية والفأرة والعقرب وشبه ذلك ، فهذا لا يكره سؤره إلا ما تولد من النجاسات كدود النجاسة والقروح فإنه يكون نجسا لنجاسة أصله لما روت كبشة بنت كعب بن مالك أنها سكبت وضوءا لأبي قتادة [ ص: 88 ] الأنصاري فجاءت هرة فأصغى لها الإناء حتى شربت منه ، وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات " رواه أصحاب السنن ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .

وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم ، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها " ، رواه أبو داود .

ومما ينبني على ذلك أنه إذا خرجت الهرة أو الفأرة أو الحية من مائع يسير لم تنجسه في المنصوص وقيل تنجسه لملاقاة دبرها ، والأول أصح لأن من عادة الحيوان جمع دبره إذا دخل الماء خوفا من دخوله فيه فلا يتحقق التنجيس ، وإذا أكلت نجاسة ثم ولغت في ماء يسير فقيل طاهر ، وقيل هو نجس إلا أن تغيب غيبة يمكن أنها وردت فيها ماء يطهر فاها ، وقيل : نجس إلا أن تلغوا بعد الأكل بزمن يزول فيه أثر النجاسة بالريق .

[ ص: 89 ] والضرب الثاني من المحرم : ما ليس بطواف وهو نوعان : أحدهما الوحشي وهو سباع البهائم وجوارح الطير وما يأكل الجيف مثل الفهد والنمر والغراب الأبقع والبازي والصقر فهذا نجس في أشهر الروايتين وفي الأخرى هو طاهر لما روى جابر قال : قيل : يا رسول الله أنتوضأ بما أفضلت الحمر ، قال : " نعم ، وبما أفضلت السباع كلها " ، رواه الشافعي والدارقطني . ولأن الأصل في الأعيان الطهارة ويفارق الكلب بجواز اقتنائه مطلقا وجواز بيعه ، ووجه المشهور حديث ابن عمر المتقدم في القلتين لما سئل صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون بأرض الفلاة وما ينوبه من السباع والدواب .

ولو كانت أسؤرها طاهرة لم يكن للتحديد فائدة ولا يقال : لعله أراد إذا بالت فيه لأن الغالب أنها إنما ترده للشرب ، والبول فيه نادر ، فلا يجوز حمل اللفظ العام على الصور القليلة ، ثم إنه لم يستفصل ، ولو كان الحكم يختلف لبينه أيضا ، فإنه صلى الله عليه وسلم لما علل طهارة الهر بأنها من الطوافين علينا علم أن المقتضي لنجاستها قائم وهو كونها محرمة لكن عارضه مشقة الاحتراز منها فطهرت لذلك ؛ لأنه لما علل طهارتها بالطواف وجب التعليل به ، وعند المخالف أنها طهرت لأنها حيوان لا يحرم اقتناؤه وليس للطواف أثر عنده .

[ ص: 90 ] ولأن تحريم الأكل يقتضي كونه خبيثا لقوله تعالى : ( ويحرم عليهم الخبائث ) ويقتضي نجاسته - إلا ما قام عليه الدليل - بدليل الميتة والدم ولحم الخنزير ، ونهيه صلى الله عليه وسلم عن جلود السباع يؤيد ذلك ، أو لأنه حيوان حرم لا لحرمته ليس بطواف ، فكان نجسا كالكلب والخنزير ، والحديث المتقدم ضعيف لا تقوم به حجة ، والثاني الإنسي وهو البغل والحمار ففيه روايتان وجههما ما تقدم ، ورواية ثالثة أنه مشكوك فيه لتعارض دليل الطهارة والنجاسة فيتوضأ بسؤره ويتيمم ، والطهارة هنا أقوى لأن فيها معنى الطواف وهو أنه لا يمكن الاحتراز منها غالبا .

التالي السابق


الخدمات العلمية