صفحة جزء
مسألة

" وأكثره أربعون يوما " يعني أنها إذا رأت الدم أكثر من أربعين يوما لم تكن نفساء ، وحكي عنه أن أكثره ستون لأنه قد روي عن عطاء والأوزاعي أن ذلك وجد ، والأول هو المذهب لما روت مسة الأزدية عن أم سلمة قالت : كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما [ ص: 517 ] وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف وفي لفظ : تقعد بعد نفاسها . رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي .

قال الخطابي : " أثنى محمد بن إسماعيل على هذا الحديث " .

وعن أم سلمة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم كم تجلس المرأة إذا ولدت ؟ قال : " تجلس أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك " رواه الدارقطني . وهذا يفسر الحديث الأول ، ويبين أن ذلك أمر من النبي صلى الله عليه وسلم " إلا إن كان ذلك " عادة النساء " فإنه " يستحيل في العادة اتفاق عادة أهل بلدة في النفاس . ويكون ذلك بيان أقصى ما تجلسه ، وبيان ما تجتنب فيه زوجها من الوطء ، وقد حكى الإمام أحمد " ذلك " عن عمر ، وابن عباس ، وأنس ، وعائذ بن عمرو ، وعثمان بن أبي العاص ، وأم سلمة ، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف .

[ ص: 518 ] وقال إسحاق : " هو السنة المجتمع عليها " وقال الطحاوي : " لم يقل بالستين أحد من الصحابة وإنما هو قول من بعدهم " . ولأن الأربعين هي المدة التي ينتقل فيها الإنسان من خلق إلى خلق ، فإنه يبقى نطفة أربعين ثم علقة مثل ذلك ، ثم مضغة مثل ذلك ، فإذا كان طور خلقه يكمل في الأربعين ، فأن يخرج الدم في الأربعين أولى ، وكذلك كثيرا ما يخرج في أقل منها ، فعلى هذا متى جاوز الدم أكثر النفاس فما في مدة النفاس نفاس ولا يكون استحاضة في مدة النفاس ، وما زاد على الأربعين إن أمكن أن يكون حيضا بأن يصادف عادة الحيض أو أن يتصل بعادة الحيض ويتكرر ، أو يكون بينه وبين عادة الحيض طهر كامل أو يتكرر ، فهو حيض وإلا فهو استحاضة ، وهذا بخلاف الحيض فإنه إذا جاوز الأكثر ثبت حكم المستحاضة فيه كله ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النفساء أن تقعد أربعين يوما " إلا أن ترى الطهر " قبل ذلك وهذا يدل على أنها إذا لم " تر " الطهر تقعد الأربعين دون ما بعده من غير التفات إلى عادة أو تمييز ، ولأن العبرة بكونه " نفاسا " ووجوده في مدة الأربعين فقط ، سواء تكرر أو لم يتكرر وسواء تغير لونه أو لم يتغير ؛ لأن دم النفاس هو ما فضل عن غذاء الولد ، وذلك يختلف باختلاف الولد في خلقه ومكثه ، ولأن الحيض يتكرر كثيرا وتقصر مدته ، بخلاف النفاس فإن اعتبار العادة فيه يؤدي " إلى " حرج عظيم ومشقة .

وإذا " ولدت " توأمين ، فأول مدة النفاس وآخرها من الأول ، وعنه أن أوله من الأول وآخره من الثاني ، اختارها بعض أصحابنا ، فتجلس ما تراه من الدم بعد وضع الأول ما لم تجاوز أكثر النفاس فإذا وضعت الثاني استأنفت له [ ص: 519 ] مدة أخرى ودخلت بقية مدة الأولى في مدته إن كانت باقية ؛ لأنه ولد فاعتبرت له المدة كالأول " وكالمنفرد " ولأن الرحم تتنفس به كما تنفست بالأول فكثر الدم بسبب ذلك فيجب اعتبار المدة له ، وعنه رواية ثالثة اختارها أبو بكر أن أول المدة وآخرها من الثاني ؛ لأنها قبل وضعه حامل ولا يضرب لها مدة النفاس كما قبل الأول ، ولهذا لا تنقضي العدة إلا بوضعها ، فعلى هذه الرواية ما قبل وضع الثاني كما قبل وضع الحمل المنفرد إن كان " قبل " يومين أو ثلاثة فهو نفاس ، وليس من المدة ، وإن كان أكثر من ذلك لم يلتفت إليه ، وهذا بعيد على أصلنا ، ووجه الأولى وإليها " صغى " أكثر أصحابنا أن الدم الخارج عقب وضع الأول دم تعقب ولادة فكان نفاسا كدم الولد الفذ ، وهذا لأن الرحم تنفست به وانفتح ما استد منها فكان بسببه فيكون نفاسا ، وإذا كان أوله منه فكذلك آخره ؛ لأن الحمل الواحد لا يوجب مدتين كالولد الواحد إذا خرج منقطعا ، ولأن خروج الولد الأول كظهور بعض الولد فأول المدة محتسبة من حين " ظهور البعض " ، فكذلك آخرها كما قلنا في " ظهور " بعض الولد ، فإن آخر المدة يتبع أولها إما من حين ظهور البعض أو من حين انفصال الجميع .

التالي السابق


الخدمات العلمية