صفحة جزء
مسألة

" ولا حد لأقله ، متى رأت الطهر اغتسلت وهي طاهرة " .

وهذا لما تقدم من حديث أم سلمة لما سألت النبي صلى الله عليه وسلم كم تجلس المرأة إذا ولدت قال : " تجلس أربعين إلا أن ترى الطهر قبل ذلك " .

[ ص: 520 ] " ولم يفصل " بين مدة طويلة أو قصيرة ، وقال الترمذي : " أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك " ولأن الدم الخارج عقب الولادة خرج بسببها فكان نفاسا ، سواء كان قليلا أو كثيرا " إذ " ليس في تقديره هنا نص ولا اتفاق ولا قياس صحيح ، ولأن من النساء من لا ترى الدم أصلا ، ومنهن من ترى قليلا أو كثيرا ، والمرجع في ذلك إلى ما وجد ، وقد روي " أن امرأة ولدت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم تر دما فسميت ذات الجفاف " وذكر الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي قال : " كانت عندنا امرأة تسمى الطاهر ، تلد أول النهار وتطهر آخره " فإذا انقطع بدون الأربعين اغتسلت وصلت وصامت بلا خلاف ، لما تقدم ، لكن في حد الطهر روايتان كما في طهر الملفقة :

إحداهما : لا بد أن يكون يوما وما دون ذلك لا يلتفت إليه .

والثانية : لا فرق بين القليل والكثير إذا رأت النقاء الخالص ، ويكره وطؤها إلى تمام الأربعين - في المشهور عنه - كراهة تنزيه ، وعنه ما يدل على أنها كراهة تحريم ، وعنه أنه مباح ؛ لأنه وطء بعد الطهر والتطهير فأشبه الوطء إذا انقطع لأكثره ووطء الحائض إذا انقطع دمها لعادة ، ووجه الأول ما رواه الإمام أحمد رحمه الله عن علي بن أبي طالب ، وعائذ بن عمرو وعبد الله بن [ ص: 521 ] عباس وعثمان بن أبي العاص رضي الله عنهم أنهم قالوا : لا توطأ النفساء إلا بعد الأربعين ، ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة رضي الله عنهم .

وقد روى ابن شاهين عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا رأت الطهر فيما دون الأربعين صامت وصلت ولا يأتيها زوجها إلا بعد الأربعين ) .

وحديث أم سلمة المتقدم ظاهر العموم في جميع النفساوات لكن تصوم وتصلي بعد الطهر إجماعا ، ثم إن قيل : هو حرام ، فلظاهر الآثار ، وإن قيل : هو مكروه - وهو المشهور - فلأن النقاء الخالص المبيح لفعل العبادات وفرضها قد وجد وإنما كره " خوفا " أن يصادفه الدم حين الوطء ، أو " خوفا " أن ترى الدم بعد الوطء ، فإن من الناس من يجعل الجميع " نفاسا " فيكون قد وطئ نفساء فإن أكثر النفاس هو الغالب .

ومثل هذا ما لو انقطع دم الحائض المعتادة لدون العادة فإنها تكون طاهرا تغتسل وتصلي وتصوم ، " وفي كراهية الوطء روايتان " كهاتين الروايتين والمنع في النفاس أشد ؛ لأن العادة في الجملة قد تتغير وتنقص " بخلاف " الأربعين للنفساء " فإنه حد شرعي ، وفي المبتدأة إذا انقطع دمها لدون [ ص: 522 ] الأكثر روايتان أيضا كذلك ، لكن رواية عدم الكراهة هنا مرجحة لأن عود الدم في زمان العادة كثير بخلاف بلوغ الحيض أكثر المدة ، فإنه قليل ، وبخلاف النفاس فإن أغلبه أكثره والعادة غير معتبرة كما تقدم لعدم انتظامها .

التالي السابق


الخدمات العلمية