صفحة جزء
[ ص: 124 ] مسألة : إذا استطاع إليه سبيلا وهو أن يجد زادا وراحلة بآلتها مما يصلح لمثله فاضلا عما يحتاج إليه لقضاء ديونه ومؤنة نفسه وعياله على الدوام .

في هذا الكلام فصول :-

( أحدها ) :

أن الحج إنما يجب على من استطاع إليه سبيلا بنص القرآن والسنة المستفيضة ، وإجماع المسلمين ومعنى قوله : ( من استطاع إليه سبيلا ) واستطاعة السبيل عند أبي عبد الله وأصحابه : ملك الزاد والراحلة فمناط الوجوب : وجود المال ; فمن وجد المال وجب عليه الحج بنفسه أو بنائبه ، ومن لم يجد المال : لم يجب عليه الحج ، وإن كان قادرا ببدنه قال : في رواية صالح - إذا وجد الرجل الزاد والراحلة وجب الحج .

وسئل - أيضا - في رواية أبي داود : على من يجب الحج ؟ فقال : إذا [ ص: 125 ] وجد زادا وراحلة وقال - في رواية حنبل - : وليس على الرجل الحج إلا أن يجد الزاد والراحلة .

فإن حج راجلا تجزيه من حجة الإسلام ، ويكون قد تطوع بنفسه وذلك لما روى إبراهيم بن يزيد الخوزي المكي عن محمد بن عباد بن جعفر عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال : جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله ما يوجب الحج ؟ قال : "الزاد والراحلة " قال : يا رسول الله : فما الحاج ؟ قال : "الشعث التفل " وقام آخر فقال : يا رسول الله : ما الحج ؟ قال : "العج والثج " قال وكيع : يعني بالعج : العجيج بالتلبية ، والثج : نحر البدن . [ ص: 126 ] رواه ابن ماجه ، والترمذي وقال حديث حسن ، وإبراهيم بن يزيد قد تكلم فيه بعض أهل الحديث من قبل حفظه .

وعن ابن جريج قال : وأخبرنيه أن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : "الزاد والراحلة " يعني قوله : ( من استطاع إليه سبيلا ) [ ص: 127 ] رواه ابن ماجه .

وعن أنس قال : سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- ما السبيل إليه ؟ قال : "الزاد والراحلة " رواه ابن مردويه والدارقطني من طرق متعددة لا بأس ببعضها [ ص: 128 ] وروي هذا المعنى من حديث ابن مسعود ، وعائشة وجابر وغيرهم .

وعن الحسن قال : لما نزلت ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) قال : قيل : يا رسول الله ما السبيل ؟ قال : "الزاد والراحلة " رواه أحمد ، وأبو داود في مراسيله وغيرهما ، وهو صحيح عن الحسن ، وقد أفتى به ، وهذا يدل على ثبوته عنده ، واحتج به أحمد .

وعن ابن عباس قال : "من ملك ثلاثمائة درهم وجب عليه الحج ، وحرم عليه نكاح الإماء " رواه أحمد وأيضا قوله : "من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا ، وإن شاء نصرانيا " . [ ص: 129 ] فهذه الأحاديث مسندة من طرق حسان ومرسلة وموقوفة تدل على أن مناط الوجوب : وجود الزاد والراحلة مع علم النبي - صلى الله عليه وسلم- بأن كثيرا من الناس يقدرون على المشي .

وأيضا فإن قول الله - سبحانه - في الحج : ( من استطاع إليه سبيلا ) إما أن يعني به القدرة المعتبرة في جميع العبادات وهو مطلق المكنة ، أو قدرا زائدا على ذلك . فإن كان المعتبر هو الأول ، لم يحتج إلى هذا التقييد ، كما لم يحتج إليه في آية الصوم والصلاة ، فعلم أن المعتبر قدر زائد على ذلك ، وليس هو إلا المال .

[ ص: 130 ] وأيضا فإن الحج عبادة تفتقر إلى مسافة ، فافتقر وجوبها إلى ملك الزاد والراحلة كالجهاد .

ودليل الأصل قوله - تعالى - : ( ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج ) إلى قوله - تعالى - : ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ) الآية . وأيضا فإن المشي في المسافة البعيدة مظنة المشقة العظيمة .

[ ص: 131 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية