[ ص: 288 ] مسألة : ومن 
حج عن غيره ، ولم يحج عن نفسه ، أو عن نذره ونفله قبل حجة الإسلام وقع عن فرض نفسه دون غيره . 
في هذا الكلام فصلان : 
أحدهما : أن من عليه حجة واجبة ، سواء كانت حجة الإسلام أو نذرا أو قضاء فليس له أن يحج عن غيره حتى يحج عن نفسه في ظاهر المذهب المشهور عنه ، وعن أصحابه ، قال في رواية 
صالح    : لا يحج أحد عن أحد حتى يحج عن نفسه ، وقد بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014960حج عن نفسك ، ثم عن شبرمة   " وحديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  إذ 
قالت المرأة : " يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستمسك على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : نعم ، حجي عن أبيك   " هو جملة لم يبين حجت أو لم تحج .  
[ ص: 289 ] وقال في رواية 
إسماعيل بن سعيد    : 
الصرورة يحج عن غيره لا يجزئه إن فعل ؛ لأن 
النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن لبى عن غيره - وهو صرورة - : " اجعلها عن نفسك " 
وعنه رواية أخرى : يجوز ، قال في رواية 
محمد بن ماهان  في 
رجل عليه دين ، وليس له مال يحج الحج عن غيره حتى يقضي دينه ؟ قال : نعم ، وقد جعل جماعة من أصحابنا هذه رواية بجواز الحج عن غيره مطلقا قبل نفسه ، وهو محتمل لكن الرواية إنما هي منصوصة في غير المستطيع .  
[ ص: 290 ] ووجه ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للخثعمية أن تحج عن أبيها ، ولم يستفصل هل حجت عن نفسها أو لم تحج ؟ وكذلك الجهنية أذن لها أن تحج عن أمها نذرها ، وللمرأة الأخرى ، 
ولأبي رزين  ، وغيرهم ، ولم يستفصل واحدا منهم ، ولا أمره أن يبدأ بالحج عن نفسه . 
والخثعمية ، وإن كان الظاهر أنه قد علم أنها حجت عن نفسها ؛ لأنها سألته غداة النحر حين أفاض من 
مزدلفة  إلى 
منى  ، وهي مفيضة معه ، وهذه حال من قد حج ذلك العام ، لكن غيرها ليس في سؤاله ما يدل على أنه حج ، ولأنه شبهه بقضاء الدين ، والرجل يجوز أن يقضي دين غيره قبل دينه . 
وأيضا فإنه عمل تدخله النيابة فجاز أن ينوب عن غيره قبل أن يؤديه عن نفسه كقضاء الديون ، وأداء الزكاة ، والكفارات . 
وإن كان الكلام مفروضا فيمن لم يستطع الحج فهو أوجه وأظهر ، فإن الرجل إنما يؤمر بابتداء الحج عن نفسه إذا كان واجبا عليه ، 
وغير المستطيع لم يجب عليه ، فيجوز أن يحج عن غيره   . 
ولا يقال : إذا حضر تعين عليه ؛ لأنه إنما يتعين أن لو لم يكن أحرم عن غيره فإذا حضر ، وقد انعقد إحرامه لغيره فهو بمنزلة من لم يحضر في حق نفسه . 
ووجه المشهور : ما روى 
 nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    " 
أن النبي   [ ص: 291 ] صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول : لبيك عن شبرمة  ، قال : من شبرمة  ؟ قال : أخ لي أو قريب لي ، قال : حججت عن نفسك ؟ قال : لا ، قال : حج عن نفسك ، ثم حج عن شبرمة    " رواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه  ، وقال : " 
فاجعل هذه عن نفسك ، ثم احجج عن شبرمة    " رواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني  من وجوه عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، وعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة  أيضا . 
فإن قيل : هذا الحديث موقوف على 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، ذكر 
 nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم  عن 
أحمد  أن رفعه خطأ ، وقال : رواه عدة موقوفا على 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، وهو مشهور من حديث 
قتادة  عن 
عروة  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير  ، وقد قال 
يحيى    : عزرة لا شيء .  
[ ص: 292 ] قلنا : قد تقدم أن 
أحمد  حكم بأنه مسند ، وأنه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون قد اطلع على ثقة من رفعه ، وقرر رفعه جماعة . 
على أنه إن كان موقوفا فليس 
 nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس  مخالف . 
فوجه الحجة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يحج عن نفسه ، ثم يحج عن 
شبرمة  ، وستأتي بقية الألفاظ الدالة على أن تلك لم تجز عن 
شبرمة  ، ولم يفصل بين أن يكون الحاج مستطيعا واجدا للزاد والراحلة ، أو لا يكون ، وترك الاستفصال والتعريف في حكاية الأحوال يدل على العموم . 
وأيضا فإن 
الحج واجب في أول سنة من سني الإمكان فإذا أمكنه فعله عن نفسه لم يجز أن يفعله عن غيره ؛ لأن الأول فرض ، والثاني نفل كمن عليه دين هو مطالب به ، ومعه دراهم بقدره لم يكن له أن يصرفها إلا إلى دينه ، وكذلك كل ما احتاج إلى صرفه في واجب عنه فلم يكن له أن يفعله عن غيره .  
[ ص: 293 ] وأيضا فإنه إذا حضر المشاعر تعين الحج عليه فلم يكن له أن يفعله عن غيره كما لو حضر صف القتال فأراد أن يقاتل عن غيره ، فعلى هذا إذا خالف وأحرم عن غيره ففيه روايتان ذكرهما كثير من أصحابنا . 
إحداهما : ينعقد إحرامه عن نفسه ، وعليه أن يعتقد أن ذلك الإحرام عن نفسه فإن لم يعتقد ذلك حتى قضى الحج وقع عنه وأجزأ عن حجة الإسلام في حقه ، ولم يقع عن الملبى عنه ، وهذا قول 
الخرقي  ، وأكثر أصحابنا . 
والأخرى : يقع الإحرام باطلا فلا يجزئ عنه ، ولا عن غيره ، وهذا قول 
أبي بكر  ، وقدمه 
ابن أبي موسى  ، وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14800أبو حفص العكبري    : ينعقد الإحرام عن   
[ ص: 294 ] المحجوج عنه ، ثم يقلبه الحاج عن نفسه . 
ووجه هذين : قوله صلى الله عليه وسلم : " 
حج عن نفسك ، ثم حج عن شبرمة    " وقوله : " 
اجعل هذه عن نفسك ، ثم حج عن شبرمة    " وفي رواية 
 nindex.php?page=showalam&ids=14269للدارقطني  حسنة " 
لب عن نفسك ، ثم لب عن شبرمة    " وفي رواية له " 
إن كنت حججت عن نفسك فلب عنه ، وإلا فاحجج عن نفسك   " فإن هذا دليل على أنه يحتاج أن يلبي ، ويحج عن نفسه ، ثم قال 
أبو بكر    : إحرامه عن غيره وقع باطلا ، وعن نفسه لم ينوه ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، والإحرام لا يقع إلا عن أحدهما فيقع باطلا . 
وقال 
أبو حفص    : أمره بأن يجعلها عن نفسه دليل على انعقاد الإحرام ، وذلك أن الإحرام في نفسه صحيح ، وإنما اشتمل على صفة محرمة فيجب عليه أن يزيلها كما لو أحرم في ثياب وعمامة ، فإن لم يجعله عن نفسه البتة فقياس قوله أنه لا يجزئ عنه ، ولا عن غيره . 
ووجه الأول : أن قوله : " 
فاجعل هذه عنك   " أي اجعل هذه التلبية عنك كما   
[ ص: 295 ] قد جاء مفسرا : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014970أيها الملبي عن فلان لب عن نفسك ، ثم عن فلان   " ، فعلم أن الحجة عن نفسه ، إذ لو كان باطلا لما صح ذلك ، وقد روى 
 nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني    " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014971هذه عنك ، وحج عن شبرمة    " وإن كان الضمير عائدا إلى الحجة فقوله : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014972اجعل هذه عن نفسك   " أي اعتقدها عن نفسك ، وقوله : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014973حج عن نفسك   " أي استدم الحج عن نفسك ؛ لأنه لو كان الإحرام قد وقع باطلا لأمر باستئنافه ، ولم يكن هناك حجة ، ولا تلبية صحيحة تجعل عن نفسه ، ولو انعقد عن الغير لم يجز نقله عنه ؛ لأن الحج الواقع لشخص لا يجوز نقله إلى غيره كما لو لبى عن أجنبي ، ثم أراد نقله إلى أبيه . 
وأيضا : فإن الإحرام ينعقد مع الصحة ، والفساد ، وينعقد مطلقا ، ومجهولا ، ومعلقا ، فجاز أن يقع عن غيره ، ويكون عن نفسه ، وهذا لأن إحرامه عن الغير باطل لأجل النهي عنه ، والنهي يقتضي الفساد ، وبطلان صفة الإحرام لا يوجب بطلان أصله ؛ لأنه لا يقع إلا لازما فيكون كأنه قد عقده مطلقا ، ولو عقده مطلقا أجزأه عن نفسه بلا تردد .