صفحة جزء
مسألة :

" ويعفى عن يسيره ويسير الدم وما تولد منه من القيح والصديد ونحوه وهو ما لا يفحش في النفس" .

النجاسات على قسمين : ما يبطل الصلاة قليلها وكثيرها وما يعفى عن يسيرها .

أما المذي فيعفى عنه في أقوى الروايتين ؛ لأن البلوى تعم به ويشق [ ص: 105 ] التحرز منه ، فهو كالدم بل أولى للاختلاف في نجاسته ، والاجتزاء عنه بنضحه ، وكذلك المني إذا قلنا بنجاسته ، وأما الودي فلا يعفى عنه في المشهور عنه كالبول . وأما الدم فيعفى عن يسيره رواية واحدة ، وكذلك القيح والمدة والصديد وماء القروح " إن كان متغيرا فهو كالقيح وإلا فهو طاهر كالعرق " قال أحمد : " القيح والصديد والمدة عندي أسهل من الدم الذي فيه شك " . يعني في نجاسته ، وسئل : القيح والدم عندك سواء ؟ فقال : " الدم لم يختلف الناس فيه والقيح قد اختلف الناس فيه " .

قال البخاري : " بزق عبد الله بن أبي أوفى دما فمضى في صلاته" ، " وعصر ابن عمر بثرة فخرج منها دم ولم يتوضأ " ،وحكى أحمد أن أبا هريرة " أدخل أصبعه في أنفه فخرج عليها دم فلم يتوضأ " وعن جابر بن عبد الله أنه سئل عن رجل يصلي فامتخط فخرج من مخاطه شيء [ ص: 106 ] من دم ، قال : " لا بأس بذلك يتم صلاته " . ولأن الله سبحانه حرم الدم المسفوح خاصة لأن اللحم لا يكاد يخلو من دم فأباحه للمشقة فلأن يبيح ملاقاته في الصلاة أولى لأن الإنسان لا يكاد يخلو من دماميل ، وجروح ، وقروح فرخص في ترك غسلها .

والمعفو عنه دم الآدمي ، ودم البق ، والبراغيث - إن قيل بنجاسته - ودم الحيوان المأكول ، فأما المحرم الذي له نفس سائلة فلا يعفى عن دمه لأن التحرز منه يمكن وهو مغلظ ، لكون لبنه نجسا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خلع نعليه في الصلاة وعلل بأن فيهما دم حلمة ، وكذلك دم الحيضة وما خرج من السبيلين لا يعفى عنه في أصح الوجهين لأنه يغلظ بخروجه من السبيل ، ولذلك ينقض قليله الوضوء ، والتحرز منه ممكن ، وأما قدر اليسير فعنه ما دون شبر في شبر ، وعنه ما دون قدر الكف ، وعنه القطرة والقطرتان وقيل عنه ما دون ذراع في ذراع . والمشهور عنه ما يفحش في النفس لأن ابن عباس قال في الدم : إذا كان فاحشا أعاد .

ولأن التقدير مرجعه العرف إذا لم يقدر في الشرع ولا في اللغة ، قال الخلال : " الذي استقر عليه قوله : إن الفاحش ما يستفحشه كل إنسان في نفسه" .

وهذا هو ظاهر المذهب إلا أن يكون قطرة أو قطرتين فيعفى عنه بكل [ ص: 107 ] حال ؛ لأن العفو عنه لدفع المشقة فإذا لم يستفحشه شق عليه غسله ، وإذا استفحشه هان عليه غسله ، قال ابن عقيل : الاعتبار بالفاحش في نفوس أكثر الناس وأوساطهم . ومما يعفى عنه أثر الاستجمار إن لم نقل بطهارته ، وبول ما يؤكل لحمه وروثه إن قلنا بنجاسته كدمه المختلف فيه ولمشقة الاحتراز منه .

وكذلك يعفى عن ( يسير ) ريق الحيوانات المحرمة وعرقها إذا قلنا بنجاستها في إحدى الروايتين وفي الأخرى لا يعفى كريق الكلب والخنزير وعرقهما ، والفرق بينهما أن هذه الحيوانات يباح اقتناؤها مطلقا ويشق معه التحرز من ريقها وعرقها وقد اختلف في نجاستها ، وركب النبي صلى الله عليه وسلم حمارا . ويعفى عن يسير بول الخفاش في إحدى الروايتين لأنه في وقت النبي صلى الله عليه وسلم وإلى وقتنا لا يسلم الناس منه في المساجد ولا من الصلاة عليه ( ولا يعفى عن يسير النبيذ المختلف فيه في أصح الروايتين كالمجمع عليه فإنه رواية واحدة ) قال ابن عقيل : وفي العفو عن يسير القيء روايتان وكذلك ذكر أن يسير القيء يعفى عنه .

وكذلك كل ما لا ينقض الوضوء خروجه ، كيسير الدود والحصى ، والخارج من غير الفرجين لا يجب غسل موضعه كما لا يجب التوضؤ منه . وذكر القاضي في العفو عن أرواث البغل والحمار والسباع روايتين أقواهما أنه لا [ ص: 108 ] يعفى ، وأما الذي لا يعفى عن يسيره ، فكالبول ، والغائط ، والخمر والميتة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " تنزهوا عن البول فإن عامة عذاب القبر منه " وقوله : ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ) ولأن هذه نجاسات مغلظة في أنفسها ولا يعم الابتلاء بها وليس في نجاستها اختلاف ، فلا وجه للعفو عنها مع أن الاختلاف فيها لا أثر له على الأصح .

التالي السابق


الخدمات العلمية