[ ص: 570 ]   ( فصل ) 
وإذا 
نسي المحرم ما أحرم به ، أو 
أحرم بمثل فلان ، وتعذر معرفته ، قال 
أحمد    - في رواية 
 nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود    - في رجل لبى فنسي لا يدري بحج أو عمرة : يجعلها عمرة ، ثم يلبي من 
مكة    . 
وقال - في رواية 
ابن منصور  وذكر له قول 
سفيان  في رجل أهل لا يدري بحج أو عمرة : فأحب إلي أن يجمعهما - قال 
أحمد    : أنا أقول : إن كان أهل بحج فشاء أن يجعله عمرة فعل ، وإن كان أهل بحج وعمرة [ ولم يسق الهدي ، وشاء أن يجعلها عمرة فعل . فقد نص على أنه يجعله عمرة ] فيتمتع بها إلى الحج ، وهذا حسن مستقيم على الأصل الذي تقدم ، فإنه إذا شرع لمن يذكر ما أحرم به أن يجعله متعة ، فلمن لا يذكر أولى . 
ثم اختلف أصحابنا فأقره بعضهم على ظاهره ، وهذه طريقة 
أبي الخطاب  وغيره ، ثم بعض هؤلاء قال : إنما يلزمه عمرة على ظاهر رواية 
أبي طالب    .  
[ ص: 571 ] والصواب : أنه يلزمه عمرة يتمتع بها إلى الحج ، فلزمه عمرة وحج ، كما بينه في رواية 
 nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود    . إلا أن يكون قد ساق الهدي ، فإن قياس هذا أن يلزمه القران ، وهذا لأنه قد تيقن وجوب أحد الثلاثة في ذمته ، فلزمه الخروج منه بيقين ، كما لو نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها . وإذا تمتع فإنه قد خرج بيقين ، أما إذا أفرد جاز أن يكون [ الذي في ذمته عمرة أو قرانا ، وإذا قرن جاز أن يكون ] قد أحرم بالحج أولا ، فلا يصح إدخال العمرة عليه . 
وأما القاضي وأكثر أصحابه ; 
كالشريف  ، 
وأبي الخطاب  في خلافة ، 
وابن عقيل  وغيرهم : فإنهم يخيرونه بين العمرة والحج ، وحملوا كلام 
أحمد  على الاستحباب ; لأن الأصل براءة ذمته من الأنساك الثلاثة ، فلم يجب إلزامه بالشك . وزعم القاضي أنه لو 
نذر إحراما ونسيه لم يلزمه إلا عمرة ؛ لأنها الأولى ، وكذلك هنا ، ولأن الشك في التعيين يجعل التعيين كعدمه فيكون بمنزلة من أحرم مطلقا ، فله صرفه إلى ما شاء . وهذا بخلاف الصلاة ، فإن التعيين شرط في إحرامها ، فإذا 
صلى صلاة مطلقة لم تصح . والحج بخلاف ذلك ، فإنه يصح مع الإبهام ، فإذا شك في عين ما أحرم به فالأصل عدم التعيين ، وإنما يتقين أنه محرم ، والإحرام بأحد الثلاثة يبرئ الذمة من هذا الإحرام . 
فعلى هذا إن عينه بقران ، فإن كان قارنا فقد أجزأ عنه ، وإن كان معتمرا فقد   
[ ص: 572 ] أدخل الحج على العمرة ، وذلك صحيح إلا أن يقال : إن المتمتع يجب عليه الحج ، وإن كان مفردا فقد أدخل الحج على العمرة . 
فإن قيل : يصح 
إدخال العمرة على الحج   - أجزأته عنهما ، وإن قيل : لا يصح على المشهور من المذهب - فيصح له الحج بكل حال . 
وأما العمرة فهل تجزئه ؟ على وجهين : أحدهما : تجزئه ؛ لأنه قد صار قارنا . 
والثاني : لا تجزئه - وهو أصح - لأنه غير متيقن لصحة قرانه . فعلى هذا إن كان قد طاف للعمرة وسعى لها ، ثم طاف للحج وسعى ، وإن لم يزد على أعمال المفرد ، وقلنا : بأن أعمال العمرة لا تدخل في الحج : لم يخرج من إحرامه إلا بطواف للعمرة . وهل يحتاج إلى إعادة طواف الحج لكونه قد شرك في طوافه الأول بين الحج والعمرة على ما سيأتي ؟ 
وإن قلنا : تدخل أعمال العمرة في الحج - وهو ظاهر المذهب - فإنه قد شرك في الطواف بين حج صحيح وعمرة لم تصح ، وذلك يجزئه في أشهر الوجهين ، قاله القاضي . 
ثم إن قلنا : يسقط النسكان عنه ، لزمه الدم . وإن قلنا : إنما يسقط الحج ، ففي وجوب الدم وجهان : 
أحدهما : لا يجب - وهو الصحيح - للشك في سببه .  
[ ص: 573 ] والثاني : يجب ؛ لأنه التزمه ظاهرا ، ولأنه أحوط . 
وإن اختار الإفراد سقط عنه الحج يقينا ، سواء كان قد أحرم أولا به ، أو بالعمرة ، أو بهما ، ولا دم عليه ؛ لأنه لم يلتزمه ، ولا تحقق وجوبه ، وهل يحتاج في خروجه من الإحرام إلى طواف بنية العمرة ؟ على وجهين : 
وإن عينه بتمتع ولم يسق الهدي فهو متمتع ظاهرا وباطنا ، ويجزئه عن العمرة والحج . قال - بعض أصحابنا - : ولو بدا له بعد قضاء العمرة أنه لا يحج لم يكن عليه شيء ، وهذا ليس بجيد . 
وإن كان قد ساق الهدي وتمم أعمال الحج فقد حصل له الحج يقينا . وأما العمرة : فهو فيها كالقارن ؛ لجواز أن يكون قد أحرم أولا بالحج ، فلا يصح فسخه إلى العمرة ، ثم هو قد طاف أولا وسعى للعمرة ، ثم طاف بعد التعريف وسعى للحج . 
فإن قلنا : إن أفعال العمرة لا تدخل في أعمال الحج إذا كان قارنا ، فقد خرج من الإحرام بيقين ، وكذلك إن قلنا : إنه يجوز للقارن أن يطوف لها قبل التعريف . 
وأما إن قلنا : إن أفعال العمرة تدخل في الحج ولا يجزئ الطواف لها قبل التعريف - فإن طوافه قبل التعريف لم يقع عن عمرة القران ، وهو بعد الوقوف إنما طاف عن الحج خاصة ، فلا يخرج من إحرامه حتى يطوف لها ثانيا بعد الوقوف ، وهذا على قول من يوجب على القارن أن ينوي عنهما . 
وأما من قال : الطواف للحج يجزئ عن النسكين إذا كان في الباطن كذلك - فكذلك هنا .  
[ ص: 574 ] وفي وجوب الدم وجهان ذكرهما القاضي وغيره كما قلنا في القارن ، أحدهما : عليه الدم ؛ لأنه التزم موجبه ، وهو أحوط . 
والثاني : لا دم عليه ؛ لجواز أن يكون إحرامه - في الأصل - بحجة وقد فسخها بعمرة ، فلا دم عليه . وهذا غير مستقيم على أصلنا ، بل الصواب أنه إن حج من عامه فهو متمتع ظاهرا وباطنا ، فعليه دم المتعة بلا تردد إلا أن يكون إحرامه أولا بعمرة بلا نية تمتع ، ونقول : إن 
نية التمتع شرط في وجوب الدم ، وإن لم يحج من عامه فلا دم عليه قولا واحدا ، ولا وجه لإيجابه .