صفحة جزء
[ ص: 604 ] ( فصل )

ويكفيه أن يلبي لهذه الأسباب مرة واحدة ; بحيث يكون دعاؤه عقيب تلك المرة .

قال - في رواية الأثرم - : كان ابن عمر يزيد في التلبية : لبيك ذا المعارج ، ولا أدري من أين جاءت به العامة ؛ يلبون في دبر الصلوات ثلاث مرات، قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : ما شيء تفعله العامة يلبون في دبر الصلوات ثلاث مرات ؟ فتبسم وقال : ما أدري من أين جاءوا به ، قلت : أليس تجزئه مرة واحدة ؟ قال : بلى .

وكذلك - أيضا - إذا لبى لغير سبب فإن المرة الواحدة تحصل بها سنة التلبية ; بحيث يدعو بعدها إن أحب ; وذلك لأن الصحابة ذكروا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ركب راحلته أهل بهؤلاء الكلمات ، ثم لما علا البيداء أهل بهن ، ولم يذكروا أنه كررهن في حالته تلك ، ولو كان ذلك لبينوه ؛ فإن مثل هذا لم يكونوا ليغفلوه ويهملوه ، بل ظاهر حديث ابن عمر حين قال : " أهل بهؤلاء الكلمات " وقوله : " فلما استوت به راحلته قائمة قال : لبيك اللهم ، لبيك لا شريك لك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك " وكان ابن عمر يزيد فيها ما يزيد : كالنص في أنه إنما لبى بهذا واحدة . وقد قال : " أربعا تلقنتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 605 ] أفتراه يعد كلمات التلبية ، ولا يعد مراتها ؟ وذكر عددها أهم ؛ لأنه لا يعلم [ إلا بذكره بخلاف كلمات التلبية ] فإن ذكرها يغني عن عدها ، وكذلك المأثور عن السلف ليس فيه أمر بتكرير ؛ ولذلك أنكر أحمد هذا ، وبين أنه لا أصل له عن السلف ، وقال : لا أدري من أين جاءوا به .

وأيضا : فإن كلمات التلبية مبنية على تكرارها ، فإنها متضمنة الثلاث مرات .

فإن كررها ثلاثا ، أو أكثر من ذلك على نسق واحد ، فقال أبو الخطاب وطائفة معه : لا يستحب تكرارها في حال واحدة .

وقال ابن عقيل : لا يستحب تكرارها ثلاثا .

وقال القاضي : لا يستحب تكرارها ثلاثا عقيب الصلاة ، بل يأتي بها عقيب الصلوات كما يأتي بها مفردة عن الصلاة .

وقالوا : يستحب استدامتها على كل حال .

وقال أبو محمد : لا بأس بالزيادة على مرة ، وتكراره ثلاثا حسن ، فإن الله تعالى وتر يحب الوتر .

وقال القاضي في الخلاف : يسن تكرارها بعد تمامها ; لأجل تلبسه بالعبادة ، وإن لم تستحب الزيادة عليها .

[ ص: 606 ] وفرق بين الزيادة والتكرار : بأن هذا الذكر شعار هذه العبادة ، كالأذان وتكبيرة الإحرام ، فلم تستحب الزيادة عليه مثلهما بخلاف التكرار ، فإنما ذلك لأجل تلبسه بالعبادة ، وهذا المعنى موجود ما لم يحل ، وهذا يقتضي استحباب تكرارها في الموضع الذي اختلف في استحباب الزيادة - وهو عقيب التلبية سواء .

وحقيقة المذهب : أن استدامتها ، وتكرارها على كل حال حسن مستحب من غير تقييد بعدد ، كما في التكبير في العشر وأيام التشريق ، لكن التقييد بعدد مخصوص لا أصل له ، وكذلك الأمر به وإلزام المأمورين .

التالي السابق


الخدمات العلمية