صفحة جزء
مسألة : ( الثالث : لبس المخيط إلا أن لا يجد إزارا فيلبس سراويل ، أو لا يجد نعلين ، فيلبس خفين ، ولا فدية عليه .

في هذا الكلام فصلان : -

أحدهما : أن المحرم يحرم عليه أن يلبس على بدنه المخيط المصنوع على قدر العضو ؛ مثل القميص والفروج والقباء والجبة والسراويل والتبان والخف والبرنس ونحو ذلك . وكذلك لو وضع على مقدار العضو بغير خياطة مثل أن ينسج نسجا ، أو يلصق بلصوق ، أو يربط بخيوط ، أو يخلل [ ص: 16 ] بخلال أو يزر ، ونحو ذلك مما يوصل به الثوب المقطع حتى يصير كالمخيط ، فإن حكمه حكم المخيط ، وإنما يقول الفقهاء : المخيط بناء على الغالب .

فأما إن خيط ، أو وصل لا ليحيط بالعضو ويكون على قدره مثل الإزار والرداء الموصل والمرقع ونحو ذلك : فلا بأس به ، فإن مناط الحكم هو اللباس المصنوع على قدر الأعضاء وهو اللباس المخيط بالأعضاء واللباس المعاد .

والأصل في ذلك : ما روى الزهري عن سالم عن أبيه قال : سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يلبس المحرم ؟ قال : "لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا البرنس ، ولا السراويل ولا ثوبا مسه ورس ولا زعفران ، ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين ، فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين " متفق عليه . ورواه أحمد : ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر أن رجلا نادى يا رسول الله : ما يجتنب المحرم من الثياب ؟ فقال : "لا يلبس السراويل ولا القميص ولا البرنس ولا العمامة ولا ثوبا مسه زعفران ولا ورس وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين ، فإن لم يجد نعلين ، فليلبس خفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين " .

وفي رواية صحيحة لأحمد والنسائي عن نافع عن ابن عمر : " أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا ؟ قال : لا تلبسوا [ ص: 17 ] القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرنس ولا الخفاف ، إلا أن يكون رجل ليست له نعلان فليلبس الخفين ويجعلهما أسفل من الكعبين ، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس .

وفي رواية لأحمد عن ابن إسحاق عن نافع ، عن ابن عمر قال : " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول - على هذا المنبر وهو ينهى الناس إذا أحرموا عما يكره لهم - : "لا تلبسوا العمائم ولا القمص ، ولا السراويلات ، ولا البرانس ، ولا الخفين إلا أن يضطر مضطر فيقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا ثوبا مسه الورس ولا الزعفران " قال : "وسمعته ينهى النساء عن القفاز والنقاب وما مسه الورس والزعفران من الثياب " ورواه أبو داود - أيضا - بهذا الإسناد عن ابن عمر قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ينهى النساء في الإحرام عن القفازين والنقاب ، وما مس الورس والزعفران من الثياب ، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفرا ، أو خزا أو حليا ، أو سراويلا ، أو قميصا " . قال : أبو داود [ ص: 18 ] - وقد رواه من حديث أحمد عن يعقوب بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن إسحاق - : روى هذا الحديث عن ابن إسحاق عبدة ومحمد بن مسلمة عن ابن إسحاق إلى قوله : " وما مس الورس والزعفران من الثياب " لم يذكرا ما بعده .

قلت : وكذلك رواه أحمد عن يعلى بن عبيد ويزيد بن هارون عن ابن [ ص: 19 ] إسحاق ، وقد قيل إنه ليس فيه ذكر سماع ابن إسحاق عن نافع ، وإنما هو معنعن أو قال نافع .

وفي رواية لأحمد والبخاري وأبي داود والنسائي والترمذي من حديث نافع عن ابن عمر قال : " قام رجل ، فقال : يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام ؟ فقال : النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تلبس القميص ولا السراويلات ، ولا العمائم ولا البرنس ولا الخف إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين وليقطعها أسفل من الكعبين ولا تلبسوا شيئا مسه الزعفران والورس ، ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " قال الترمذي : هذا حديث صحيح .

قال أبو داود : وقد روى هذا الحديث حاتم بن إسماعيل ، ويحيى بن [ ص: 20 ] أيوب عن موسى بن عقبة عن نافع على ما قال الليث - يعني مرفوعا - ورواه موسى بن طارق موقوفا على ابن عمر ، وكذلك رواه عبيد الله بن عمر ومالك وأيوب موقوفا ، وإبراهيم بن سعيد المديني عن نافع ، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين " . وإبراهيم بن سعيد : شيخ من أهل المدينة ليس له كثير حديث .

وعن ابن إسحاق قال : ذكرت لابن شهاب قال : حدثني سالم أن عبد الله بن عمر كان يصنع - يعني يقطع - الخفين للمرأة المحرمة ، ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد أن عائشة حدثتها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "رخص للنساء في الخفين ، فترك ذلك " رواه أحمد وأبو داود [ ص: 21 ] وفي رواية لأحمد : " ولا تلبس ثوبا مسه الورس والزعفران إلا أن يكون غسيلا " رواه عن أبي معاوية ثنا عبيد الله ، عن نافع عن ابن عمر .

وفي رواية عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بزعفران أو ورس " .

فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن خمسة أنواع من اللباس تشمل جميع ما يحرم - فإنه قد أوتي جوامع الكلم - وذلك أن اللباس إما أن يصنع فقط فهو القميص ، وما في معناه من الجبة والفروج ونحوهما ، أو للرأس فقط وهو العمامة وما في معناه أو لهما وهو البرنس وما في معناه ، أو للفخذين والساق وهو السراويل وما في معناه من تبان ونحوه ، أو للرجلين وهو الخف ونحوه . وهذا مما أجمع المسلمون عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية