صفحة جزء
مسألة :

" ولا تحصل الطهارة بمائع غيره "

أما طهارة الحدث فهي كالإجماع لأن الله تعالى أمر بالتيمم عند عدم الماء ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الصعيد الطيب طهور المسلم ، إذا لم يجد الماء عشر سنين ) ، إلا في النبيذ ، نبيذ التمر فإن بعض العلماء أجاز الوضوء به في الجملة على تفصيل لهم لما روى ابن مسعود قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة لقي الجن فقال : " أمعك ماء ؟ قلت : لا ، قال : فما في هذه الإداوة ؟ قلت : نبيذ ، قال : أرنيها تمرة طيبة وماء طهور ، فتوضأ ثم صلى " ، رواه الإمام أحمد وابن ماجه وأبو داود والترمذي .

وهذا الحديث قد ضعفه جماعة من الحفاظ ، ثم إن صح فلعله كان ماء قد طرح فيه تمرات تزيل ملوحته بدليل قوله تمرة طيبة وماء طهور ، ثم هو منسوخ بآية [ ص: 62 ] المائدة التي فرض فيها التيمم عند عدم الماء ، فإن قصة الجن كانت بمكة في أول الإسلام . وأما نجاسة الخبث فعنه ما يدل على أن تزال بكل مائع طاهر يزيل كالخل ونحوه ، وهو قول أبي حنيفة ؛ لأن المقصود هو زوال النجاسة ، ولذلك يحصل بصوب الغمام وبفعل المجنون وبدون النية ، وظاهر المذهب كما ذكره الشيخ ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالماء في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد ، وفي دم الحيض ، وغسل آنية المجوس ، ولأن الطهارة بالماء يجوز أن تكون تعبدا فلا يلحق به غيره كطهارة الحدث ولأن الماء ألطف وأنفذ في الأعماق ، مع أنه ليس له في نفسه طعم ولا لون ولا ريح يبقى بعد زوال النجاسة وهو مخلوق للطهارة دون غيره من المائعات ، فإنها خلقت للأكل وللدهان وغير ذلك ، وأعمها وجودا وهو طهور يدفع النجاسة عن نفسه ولا يتنجس في وروده عليها إلى غير ذلك من الصفات التي اختص بها فلا يجوز إلحاق غيره به .

التالي السابق


الخدمات العلمية