صفحة جزء
( فصل )

وكما يحرم قتل الصيد تحرم الإعانة عليه بدلالة أو إشارة أو إعارة آلة لصيده أو لذبحه .

وإذا أعان على قتله بدلالة أو إشارة أو إعارة آلة ونحو ذلك ، فهو كما لو شرك في قتله ، فإن كان المعان حلالا فالجزاء جميعه على المحرم ، وإن كان حراما اشتركا فيه ; لما تقدم في حديث أبي قتادة أنه قال : " فأبصروا حمارا وحشيا وأنا مشغول أخصف نعلي فلم يؤذنوني ، وأحبوا لو أني أبصرته ، والتفت فأبصرته ، فقمت إلى الفرس فأسرجته ، ثم ركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم ناولوني السوط والرمح ، فقالوا : والله لا نعينك عليه ، فغضبت فنزلت فأخذتهما ثم ركبت " لفظ البخاري ، وفي رواية لهما : " فجعل بعضهم يضحك إلى بعض ، فنظرت فرأيته ، فحملت عليه الفرس فطعنته ، فأتيته [ ص: 183 ] فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني " مسلم ، وفي رواية : " فرأيت أصحابي يتراءون شيئا فنظرت فإذا حمار وحش - يعني فوقع سوطه - فقالوا : لا نعينك عليه بشيء ، إنا محرمون ، فتناولته فأخذته " هذا لفظ البخاري ، ولفظ مسلم : " فإذا حمار وحش ، فأسرجت فرسي وأخذت رمحي ثم ركبت فسقط مني السوط ، فقلت لأصحابي وكانوا محرمين : ناولوني السوط ، فقالوا : والله لا نعينك عليه بشيء ، فنزلت فتناولته " وفي رواية : " فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا فسألهم رمحه ، فأبوا عليه ، فأخذه ثم شد على الحمار فقتله " وفي الحديث : " فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسول الله إنا كنا أحرمنا ، وكان أبو قتادة لم يحرم ، فرأينا حمر وحش فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانا ، فنزلنا فأكلنا من لحمها فقلنا : أنأكل لحم صيد ونحن محرمون ؟ فحملنا ما بقي من لحمها فقال : " هل معكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء ، قالوا : لا ، قال : فكلوا ما بقي من لحمها " وفي لفظ لمسلم : " هل أشار إليه إنسان منكم أو أمره بشيء ؟ قالوا : لا ، قال : فكلوا " وللبخاري : " منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها ؟ قالوا : لا ، قال : فكلوا ما بقي من لحمها " وللنسائي : " هل أشرتم أو أعنتم ؟ قالوا : لا ، قال : فكلوا " .

[ ص: 184 ] فقد امتنع القوم من دلالته بكلام أو إشارة ، ومن مناولته سوطه أو رمحه وسموا ذلك إعانة ، وقالوا : لا نعينك عليه بشيء إنا محرمون ، وما ذاك إلا أنه قد استقر عندهم أن المحرم لا يعين على قتل الصيد بشيء .

قال القاضي : ولا خلاف أن الإعانة توجب الجزاء .

والنبي صلى الله عليه وسلم قال : " منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها " فجعل ذلك بمثابة الإعانة على القتل ، ولهذا قال : " هل أشرتم أو أعنتم " ومعلوم أن الإعانة على القتل توجب الجزاء والضمان فكذلك الإشارة .

وأيضا ما روي عن عكرمة عن علي وابن عباس في محرم أشار إلى بيض نعام ، فجعل عليه الجزاء .

وعن مجاهد قال : " أتى رجل ابن عباس فقال : إني أشرت بظبي وأنا محرم ، قال : فضمنه " .

وعن .... أن رجلا أتى عمر بن الخطاب ، فقال له : " يا أمير المؤمنين إني أشرت إلى ظبي وأنا محرم فقتله صاحبي ، فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف : ما ترى ، قال : أرى عليه شاة ، قال : فأنا أرى ذلك " رواهن النجاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية