صفحة جزء
الفصل الثالث : أنه لا فرق بين الوطء قبل الوقوف بعرفة ، أو بعده إذا وقع قبل التحلل الأول في أنه يفسد الحج ، وعليه القضاء ، وهدي بدنة لما روى النجاد ، عن مجاهد عن عمر بن الخطاب قال : " يقضيان حجهما - والله أعلم بحجهما - وعليهما الحج من قابل ، ويفترقان من حيث وقع عليهما ، وينحر بدنة عنه وعنها " وعن الحكم بن عتيبة عن علي قال : " يفترقان ولا يجتمعان إلا وهما حلالان وينحر كل واحد منهما جزورا وعليهما الحج من قابل يحرمان بمثل ما كانا أحرما به في أول مرة ، فإذا مرا بالمكان الذي أصابها فيه تفرقا فلم يجتمعا إلا وهما حلالان .

[ ص: 233 ] وعن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - عن رجل أصاب امرأته وهو محرم - قال : " يمضيان لوجههما ، ثم يحجان من قابل ، ويحرمان من حيث أحرما ، ويتفرقان ويهديان جزورا " رواهن النجاد ، وقد تقدم عن ابن عباس مثل ذلك أيضا .

فهؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوجبوا عليه القضاء والبدنة جميعا . والهدي الذي فسروه هنا يبين الهدي المطلق الذي جاء في كلامهم ، وفي المرفوع المرسل : أن المراد به البدنة .

وهذا لأن الجماع فيه معنيان أنه محظور في الإحرام وهو أكبر المحظورات ، وأنه مفسد للإحرام . فمن حيث هو محظور : يوجب الفدية وهو أكبر مما يوجب شاة ، فأوجب بدنة ومن حيث فسد الإحرام : وجب قضاؤه ، فحجة القضاء هي الحجة التي التزمها أولا ، وهذا كالوطء في رمضان : يوجب الكفارة العظمى ويوجب القضاء .

وإنما لم يفرق بين ما قبل الوقوف وما بعده : لأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئلوا عن المحرم إذا جامع امرأته : فأفتوا بما ذكرناه من غير استفصال ولا تفصيل وذلك يوجب عموم الحكم ، وفي أكثر مسائلهم لم يبين السائل أن الجماع كان قبل الوقوف . ولأن ما بعد الوقوف وقبل الرمي إحرام تام ففسد الحج بالوطء فيه كما قبل الوقوف ؛ وهذا لأن الوقوف يوجب إدراك الحج [ ص: 234 ] ويؤمن من فواته ، وإدراك العبادة في وقتها : لا يمنع ورود الفساد عليها ، كما لو أدرك ركعة من الصلاة : قبل خروج وقتها ، أو أدرك ركعة من الجمعة ، أو الجماعة مع الإمام : فإنه قد أدرك ، ومع هذا فلو ورد عليها الفساد : لفسدت . قال : .... ، ولأن كل ما أفسد العبادة إذا ورد قبل الخروج منها : أفسدها ، وإن كان قد مضى معظمها ، كما لو أكل قبيل غروب الشمس ، أو أحدث قبل السلام ، أو قبل القعدة الأخيرة .

فإن قيل : بعد الوقوف لم يبق عليه ركن إلا الطواف ، والوطء قبل الإفاضة وبعد التحلل لا يفسد ، فإذا لا يبطل قبل الإفاضة : لم يبق إلا واجبات من الوقوف بمزدلفة ورمي الجمرة ، وهذه لو تركها بالكلية لم يبطل حجه ، فأن لا يبطل إذا أفسدها : أولى وأحرى .

قيل العبادة بالكلية أخف من إبطالها ، ولهذا لو ترك صوم رمضان لم تجب عليه كفارة ، ولو جامع فيه مع النية : وجبت الكفارة ، ولو ترك حج النافلة : لم يكن عليه شيء ، ولو أبطله : لأثم ولزمه القضاء والهدي . وكذلك سائر الأعمال قد يكره إبطالها ، وإن لم يكره تركها . والصلاة في أول الوقت له تأخيرها ، وليس له إبطالها . فإذا وطئ : فقد راغم العبادة ، وتعدى الحد ، بخلاف التارك .

وأيضا فإنه لو ترك رمي الجمرة حتى فات وقتها ، أو ترك الحلق فإن إحرامه باق عليه حتى .....

التالي السابق


الخدمات العلمية