صفحة جزء
الفصل الرابع .

إذا وطئ بعد التحلل الأول : لم يبطل حجه ، لأنه قد حل من جميع [ ص: 235 ] المحظورات إلا النساء ، أو جاز له التحلل منها ، وقد قضى تفثه كما أمره الله وما خرج منه وقضاه ، لا يمكن إبطاله . نعم يبطل ما بقي منه كما سنذكره .

ولأنه بعد التحلل الأول : ليس بمحرم ، إذ لو كان محرما لما جاز له قتل الصيد ، ولا لبس الثياب ، ولا الطيب ، ولا حلق الشعر ، لكن عليه بقية من الإحرام ؛ هو تحريم الوطء ومجرد تحريم الوطء لا يبطل ما مضى قبله من العبادة .

ومعنى قولنا : إذا وطئ بعد التحلل الأول : أي بعد رمي جمرة العقبة ، سواء ذبح وحلق ، أو لم يحلق ولم يذبح ، وسواء قلنا : التحلل يحصل بمجرد الرمي ، أو لا يحصل إلا به وبالحلق . هذا هو المنصوص عن أحمد ، وهو الذي عليه قدماء الأصحاب ، ومن حقق هذا منهم ، مثل : الخرقي ، وأبي بكر ، وابن أبي موسى ، وغيرهم ، فإنهم كلهم جعلوا الفرق بين ما قبل رمي جمرة العقبة وما بعدها من غير تعرض إلى الحلق .

قال - في رواية أبي الحارث - في الذي يطأ ولم يرم الجمرة : أفسد حجه ، وإن وطئ بعد رمي الجمرة فعليه أن يأتي مسجد عائشة فيحرم بعمرة ، فيكون أربعة أميال مكان أربعة أميال ، وعليه دم .

وهذا لأننا إن قلنا : التحلل الأول يحصل بالرمي وحده فلا كلام ، سواء قلنا : الرمي واجب ، أو مستحب .

وإن قلنا : يحصل بالرمي والحلق . والوطء قبل الحلق كالرمي قبل الحلق في [ ص: 236 ] العمرة وذلك غير مفسد أيضا ، لأنه جاز له الخروج من هذا الإحرام بالحلق .

وإذا جاز الخروج بفعل ما ينافيه لم يكن الإحرام باقيا على حاله ، وإلى هذا أشار أحمد في رواية أبي الحارث ، فقال : الإحرام قائم عليه ، فإذا رمى الجمرة انتقض إحرامه .

وأما القاضي - في المجرد - وأصحابه : فعندهم إذا وطئ قبل الحلق وقلنا : هو نسك واجب فسد حجه ؛ لأنه وطئ قبل التحلل الأول ، وهذا يضاهي قولهم : تفسد عمرته إذا وطئ فيها قبل الحلق .

وإن قدم الحلق قبل الرمي ووطئ بعده ....

وإن طاف قبل الرمي والحلق والذبح ، ثم وطئ : لم يفسد نسكه ؛ لأنه لم يبق عليه ركن وقد تحلل ، وقد طاف في إحرام صحيح وعليه دم فقط ، ويحتمل أنه لا دم عليه ، ويتوجه أن يلزمه الإحرام من التنعيم ليرمي في إحرام صحيح .

ولو أخر الرمي وسائر أفعال التحلل عن أيام منى : لم يتحلل ، فلو وطئ فسد حجه أيضا نص عليه في رواية ابن القاسم وسندي فيمن لم يرم جمرة العقبة إلى [ ص: 237 ] الغد ووطئ النساء قبل الغد : فسد حجه ، فقيل له : إنهم يقولون : إذا كان الوطء بعد خروج وقت الرمي فليس هو بمنزلة من وطئ قبل الرمي ، فقال : أليس قد وطئ قبل الرمي ، وإنما يحل الوطء بالرمي .

قال القاضي وابن عقيل : فقد نص على أن التحلل لا يقع بخروج وقته ، وإنما يحصل بفعل التحلل ؛ لأنها عبادة ذات أفعال ، فلم يقع التحلل منها إلا بفعل التحلل كالصلاة لا يقع التحلل منها إلا بفعل التحلل وهو السلام ، بخلاف الصوم ، فإنه فعل واحد فيقع التحلل منه بخروج وقته . وإذا ثبت أن التحلل ، لا يقع بخروج وقت التحلل ، فإذا وطئ قبل أفعال التحلل ، وهو الرمي والطواف ، والحلاق : فيجب أن يفسد حجه ، كما لو كان الوقت باقيا .

وهذا لأن فوات وقت الرمي لا يوجب حصول التحلل بمجرد مضي الوقت ، كما أن فوات وقت الوقوف لا يوجب حصول التحلل من الحج بمضيه ، بل يتحلل بغير الرمي من الحلق والطواف ، كما يتحلل من فاته الحج بالطواف والسعي .

التالي السابق


الخدمات العلمية