صفحة جزء
مسألة : ( وإن وطئ في العمرة أفسدها وعليه شاة ) .

وجملة ذلك : أن ما يفسد العمرة يفسد الحج ؛ وهو الوطء والإنزال عن مباشرة في إحدى الروايتين ، ويجب المضي في فسادها ، كالمضي في فاسد الحج ، وحكم الإحرام باق عليه كما تقدم في الحج ، وعليه قضاؤها على الفور بحسب الإمكان من المكان الذي أحرم به أولا ، إلا أن يكون أحرم دون الميقات فعليه أن يحرم من الميقات .

قال أحمد - في رواية أبي طالب - : وإذا واقع المحرم امرأته وهما معتمران : فقد أفسدا عمرتيهما ، وعليهما قضاء يرجعان إن كان عليهما فيهلان من حيث أحرما من الميقات ، ولا يجزئهما إلا من الميقات الذي أهلا بالعمرة وقضيا مثل ما أفسدا ، وإن خشيا الفوات ، ولم يقدرا أن يرجعا أحرما من مكة [ ص: 245 ] وحجا حجهما صحيح ، فإذا كان يوم النحر ذبحا لتركهما الميقات لما دخلا بغير إحرام من الميقات ، فإذا فرغا من حجهما خرجا إلى ذي الحليفة ، فأحرما بعمرة مكان العمرة التي أفسدا ، فإذا قدما مكة ذبح كل واحد منهما هديا لما أفسدا من عمرتيهما من الوقوع . فإذا كانت بدنة كانت أجود وإلا فشاة تجزؤه وعلى كل واحد منهما هدي إن كان استكرهها ، وابن عباس يقول : على كل واحد منهما هدي أكرهها أو لم يكرهها .

فقد بين أنه يجب قضاؤها على الفور إلا إذا خشي فوت الحج ، فإنه يحرم بالحج وعليه دم غير دم الفساد لدخوله مكة بغير إحرام صحيح كما لو دخلها حلالا ، وأحرم بالحج منها ، والدم الواجب شاة والأفضل بدنة هذا منصوصه وقول أصحابه .

ويتخرج - إذا أوجبنا في الوطء بعد التحلل الأول بدنة - : أنه يجب في العمرة التامة بدنة وأولى .

والوطء المفسد للعمرة - بلا ريب - إذا وقع قبل كمال طوافها ، فإن وطئها بعد الطواف وقبل السعي ، وقلنا السعي ركن : أفسدها أيضا ، وإن قلنا هو واجب ...

وإن وطئها بعد السعي وقبل الحلق ، أو بعد الطواف قبل الحلق ، وقلنا السعي سنة : لم تبطل عمرته بحال سواء ، قلنا الحلاق واجب أو سنة هذا هو المنصوص عنه في غير موضع وعليه عامة أصحابه ؛ قال ابن أبي موسى : من وطئ في [ ص: 246 ] العمرة بعد الطواف قبل السعي بين الصفا والمروة : أفسد العمرة وعليه دم شاة للفساد وعمرة مكانها وإن وطئ فيها بعد السعي قبل الحلاق أساء والعمرة صحيحة وعليه دم ؛ قال - في رواية أبي طالب - في معتمر طاف فواقع أهله قبل أن يسعى : فسدت عمرته وعليه مكانها ، ولو طاف وسعى ثم وطئ قبل أن يحلق ويقصر : فعليه دم .

وقال - في رواية أبي داود - : إذا جامع قبل أن يقصر ، فقال ابن عباس : عليه دم وإنما يحل بالحلق أو التقصير . فقد نص على بقاء الإحرام ووجوب الدم مع صحة العمرة ، وعنه رواية أخرى : لا دم عليه ، وهذا بناء على أن الحلاق مستحب ، وأنه يتحلل بدونه ؛ قال - في رواية ابن إبراهيم وابن منصور - : فإذا أصاب أهله في العمرة قبل أن يقصر ، فإن الدم لهذا عندي كثير .

وقال القاضي - في المجرد - : إذا وطئ قبل الحلق فسدت عمرته وعليه دم لأنه وطئ قبل التحلل من إحرامه فأفسده كما لو وطئ في الحج قبل التحلل الأول ، ولأنه إحرام تام صادفه الوطء فأفسده كإحرام الحج ، ولأن الحلق يحل به من العبادة فإذا ورد قبله أفسدها ، كما لو أحدث المصلي قبل السلام . وعلى هذا يكون الحلق ركنا في العمرة ؛ لأن الواجب هو ما يجبره الدم إذا ترك . والحلق لا يتصور تركه على هذا القول لأنه ما لم يطأ ، ولم يحلق فإحرامه باق وهو لم يتحلل ، وكلما فعل محظورا فعليه جزاؤه ، وإذا وطئ لم يخرج بالفساد من الإحرام ، بل يحلق ويقضي .

[ ص: 247 ] وأما على المذهب : فيفوت الحلق بالوطء . لما روى سعيد ، ثنا هشيم ، ثنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير قال : جاءت امرأة إلى ابن عباس - رضي الله عنه - فذكرت أن زوجها أصابها ، وكانت اعتمرت فوقع بها قبل أن تقصر ، فقال ابن عباس : شبق شديد شبق شديد مرتين ، فاستحيت المرأة فانصرفت وكره ابن عباس ما فرط منه وندم على ما قال واستحيا من ذلك ، ثم قال : علي بالمرأة فأتي بها ، فقال : عليك فدية من صيام أو صدقة أو نسك ، قالت : فأي ذلك أفضل ؟ قال : النسك ، قالت : فأي النسك أفضل ؟ قال : إن شئت فناقة ، وإن شئت فبقرة ، قالت : أي ذلك أفضل ؟ قال : انحري بدنة .

وقال : ثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير : أن امرأة أتت ابن عباس ، فقالت : إني خرجت مع زوجي فأحرمنا بالعمرة ، فطفت بالبيت وبين الصفا والمروة فوقع بها قبل أن تقصر ، ثم ذكر نحوه . وروى سعيد بن أبي عروبة في المناسك ، عن قتادة ، عن علي بن عبد الله البارقي : أن رجلا وامرأته أتيا ابن عباس قد قضيا إحرامهما من عمرتهما ما خلا التقصير فغشيها ، قال : أيكما [ ص: 248 ] كان أعجل - وقال بعدما ذهب بصره - : فاستحيت المرأة فأدبرت فدعاها ، فقال : عليكما فدية صيام أو صدقة أو نسك ، فقالت المرأة : أي ذلك أفضل ؟ قال : النسك ، قالت : فأي النسك أفضل ؟ قال : ناقة تنحرينها . ولا يعرف له في الصحابة مخالف .

وأيضا : فإنه وإن كان على إحرامه : فقد نقض إحرامه بجواز التحلل منه بالحلق ، فلم يبق إحراما تاما .

وأيضا : فالحلق وإن كان نسكا واجبا فلا ريب أنه تحلل من الإحرام ليس هو مما يفعل في الإحرام ، بل هو برزخ بين كمال الحرم وكمال الحل . فإذا وطئ فإنما أساء لكونه قد تحلل بغير الحلق ، ومثل هذا لا يفسد الإحرام ، فعلى هذا لا يحلق بعد الوطء ولا يقصر .

وأما كونه إحراما تاما : فغير مسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية