صفحة جزء
( فصل )

وينحر هدي الفساد في عام القضاء نص عليه ، قال - في رواية أبي طالب - : إذا وطئ وهو محرم ، أو قارن : فسد حجه في سنته التي وطئ فيها فإن كان معه هدي نحره ، وإلا فليس عليه هدي وقد فسد حجه إلى قابل إذا حج أهدى . وكان عطاء يقول : يعجل الهدي في هذه السنة ، فيقول : ما يدري ما يحدث عليه . والذي أقول به : إن كان معه هدي نحره ، وإذا حج من قابل أهدى ، وإن لم يكن معه هدي فليس عليه حتى يحج من قابل ، وكذلك نقل الأثرم .

[ ص: 259 ] وقال القاضي : يجب إخراج الكفارة في السنة التي أفسدها ، ولا يلزمه كفارة ثانية في السنة التي يقضي فيها ، قال : ومعنى قول أحمد - في رواية الأثرم - : إن كان معه هدي نحره ، ويهدي في السنة الثانية : يعني به هديا أوجبه على نفسه ، وقوله : يهدي في السنة : يعني يكون في ذمته .

قال ابن أبي موسى : فسد حجهما وعلى كل واحد منهما بدنة ، والحج من قابل إن كانت طاوعته ، وإن استكرهها كفر عنها ، وأحجها من قابل من ماله ، وفرق بينهما في المكان الذي أصابها فيه في العام الماضي .

وقيل عنه : يجزئهما بدنة واحدة طاوعته ، أم أكرهها ؛ لأن الهدي قد وجب عليه بنفس الإفساد ومواقعة المحظور ، فوجب إخراجه حينئذ كسائر الدماء الواجبة بفعل المحظورات .

ووجه المنصوص : أن الحديثين المرسلين ، وآثار الصحابة عامتها : إنما فيها الأمر بالهدي مع القضاء وهي العمدة في هذا الباب ، لكن بعض ألفاظها محتملة وأكثرها مفسر كما تقدم .

وأيضا : فإنه إذا وجب القضاء والهدي : فإنما يخرج الهدي مع القضاء كهدي الفوات وعكسه الإحصار .

وأيضا : فإن الهدي إنما جبران للإحرام ، وهذا الإحرام الفاسد إنما ينجبر بالقضاء والهدي ، بخلاف الإحرام الصحيح فإنه ينجبر بمجرد الهدي . فأما إن أتى في الإحرام الفاسد محظورا مثل : اللباس والطيب وقتل الصيد : فإنه يخرجه ... .

[ ص: 260 ] فإن أخرج هدي الفساد قبل القضاء ... ، وليس عليه بالإفساد إلا هدي واحد كما تقدم في أحد الحديثين المرسلين وسائر فتاوى الصحابة ، وقد جاء في الحديث الآخر ذكر هديين ، وهي قضية عين ، فلعلهما كانا قد ساقا هديا ، وهذا لأن ... .

فإن كان هذا الواطئ قد ساق هديا نحره في السنة الأولى كما يقضي سائر المناسك ، ولم يجزه عن هدي الإفساد ، كما لا يجزئه عن سائر الدماء الواجبة عليه .

فإن كان قد وجب عليه في الحجة الفاسدة دم بفعل محظور من لباس أو طيب أو غير ذلك : لم يسقط عنه القضاء قولا واحدا .

وإن كان قد وجب عليه بترك واجب ؛ مثل : إن أحرم دون الميقات ثم أفسد الإحرام ، أو أفاض من عرفات قبل الليل ، أو ترك رمي الجمار ونحو ذلك فهل يسقط عنه بفعل القضاء ؟ ففيه روايتان منصوصتان ؛ إحداهما : يسقط . نص عليه في رواية منها في رجل جاوز الميقات إلى مكة ثم أحرم بعمرة فأفسدها : عليه قضاؤها يرجع إلى الوقت يحرم منه ، فقيل له : أفلا يكون عليه شيء لتركه الوقت أول مرة ، قال : لا .

وذلك لأن الدم قائم مقام النسك المتروك ، فإذا قضى ما تركه : فقد قام القضاء مقام ما ترك فأغنى عن الدم ، بخلاف ما وجب لفعل محظور فإن ذلك المحظور لم يخرج عنه كفارة ، وبخلاف ما لو عاد إلى الميقات محرما ، فإن إحرامه قد نقص نقصا لم يجبر بالعود إليه ، وهنا قد أحرم إحراما مبتدأ من الميقات .

والثانية : لا يسقط نص عليه في رواية ابن منصور ، وذكر له قول سفيان في [ ص: 261 ] رجل جاوز الميقات فأهل ثم جامع : عليه أن يحج من قابل وعليه بدنة ، وليس عليه دم لتركه الميقات ، قال أحمد : عليه دم لتركه الميقات ويمضي في حجته ويصنع ما يصنع الحاج ، ويلزمه ما يلزم المحرم في كل ما أتى لأن الإحرام قائم وعليه الحج من قابل والهدي .

وهذه اختيار أصحابنا ؛ لأن من أصلنا أن الدم الواجب بترك الإحرام من الميقات لا يسقط بالقضاء ، كما لو أحرم دون الميقات ثم عاد إلى الوقت محرما .

وأيضا : فإن الحجة الفاسدة حكمها حكم الصحيح في كل شيء ، وعليه أن يجبرها إذا ترك واجبا ، أو فعل محظورا ، فلو قلنا : إن ما يفعله في قضائها يقوم مقام ما يفعله فيها : لكنا لم نوجب عليه إتمام الحجة الفاسدة . ولأنه لو كان القضاء يقوم مقام ما يتركه في الحجة الفاسدة لم يجب عليه المضي فيها ، بل قد أوجب الشرع عليه إتمام الأولى وقضاءها .

وإن كان متمتعا أو قارنا قد وجب عليه دم بسبب ذلك ، ثم وطئ فهل يسقط عنه دم المتعة والقران ؟ على روايتين منصوصتين أيضا :

إحداهما : ليس عليه دم متعة ولا قران ، وقد تقدم نصه على ذلك - في رواية أبي طالب - : فيما إذا وطئ وهو محرم بعمرة أو قارن إن كان معه هدي نحره ، وإلا فليس عليه هدي إلى قابل فإذا حجا أهديا ، وقال أيضا - : في رواية المروذي وقد سئل عن متمتع دخل مكة فوطئ قبل أن يطوف بالبيت ، فقال : لا تقل : متمتع ولكن قل : معتمر يرجع إلى الميقات الذي أهل منه ، فيحرم بعمرة وعليه دم ، وإن كان الوقت ضيقا أهل بالحج فإذا فرغ منه أهل بالعمرة .

فلم يوجب عليه دم التمتع وذلك لأنه لم يترفه بسقوط أحد السفرين ؛ لأنه قد وجب عليه سفر آخر في القضاء 30 [ ص: 262 ] والرواية الثانية : لا يسقط عنه دم المتعة والقران نص عليه في رواية ابن منصور ، وذكر له قول سفيان في رجل أهل بعمرة في أشهر الحج ثم جامع أهله قبل أن يطوف بالبيت ثم أقام إلى الحج : حج وعليه دم لعمرته وليس عليه دم للمتعة لأنه أفسدها ، فقال أحمد : عليه دم للمتعة ودم لما أفسد من العمرة .

لأن كل ما وجب الإتيان به في النسك الصحيح : وجب الإتيان به في الفاسد كالطواف ؛ وذلك لأنه مأمور بإتمام الفاسد حتى يكون مثل الصحيح ، إلا في أن أحدهما حصل فيه الوطء فأفسده والآخر عري عن ذلك . فعلى هذا : إذا أحرم بقران القضاء فهل عليه دم الفساد ، ودم القران الفاسد ؟ كلام أحمد والأصحاب يقتضي أنه ليس عليه دم آخر .

وأما المتمتع : فإن كان قد وطئ في العمرة فقد وجب عليه قضاؤها . فإذا قضاها ...

فإن لم يقضها قبل الحج : فعليه دم لترك الميقات نص عليه .. .

التالي السابق


الخدمات العلمية