صفحة جزء
فصل :

وإذا قلنا بتطهير الدباغ فهل يكون كالحياة أو كالذكاة ؟ على وجهين : أحدهما : أنه كالحياة لأنه يحفظ الصحة على الجلد ويصلحه للانتفاع كالحياة ، فعلى هذا يطهر جلد ما كان طاهرا في الحياة كالهر وما دونها في الخلقة وكذلك جلد ما سوى الكلب والخنزير في رواية .

والوجه الثاني : أنه كالذكاة فلا يطهر إلا ما تطهره الذكاة وهذا أصح كما سبق من قوله : دباغها ذكاتها ، ولما روت عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت " رواه أحمد وأبو داود وابن [ ص: 126 ] ماجه والنسائي ولفظه : أنه سئل عن جلود الميتة فقال : " دباغها ذكاتها " فقد شبه الدباغ بالذكاة ، وحكم المشبه مثل المشبه به أو دونه ، ولأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع ولا تكاد تستعمل إلا مدبوغة ، ولم يفصل ، وهذا مبني على أن الذكاة لأجل المأكول ، فأما غير المأكول فلا يطهر جلده بالذكاة لأنه ذبح غير مشروع فلم يفد طهارة الجلد ، كذبح المحرم الصيد والذبح في غير الحلق واللبة ، ولأنه ذبح لا يفيد حل اللحم فلم يفد طهارة الجلد كذبح المجوسي والمرتد ، وهذا لأن التنجيس لو كان لمجرد احتقان الرطوبات في الجلد وإزالته مشروعة بكل طريق لم يفرق بين ذابح وذبح ومذبح ومذبح ، والذي يدل على أن ما لا يؤكل لحمه لا يطهر جلده لا بذكاة ولا بدباغ ، ما روى أبو المليح بن أسامة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى عن جلود السباع " رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وزاد " أن تفترش " .

[ ص: 127 ] وعن معاوية بن أبي سفيان قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جلود النمور أن يركب عليها " رواه أحمد وأبو داود وفي لفظ لأحمد " نهى عن لبس صوف النمور " وعن المقدام بن معد يكرب قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مياثر النمور " رواه أحمد والنسائي وعن المقدام أنه قال لمعاوية : أنشدك الله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها ؟ قال : نعم . رواه أحمد وأبو داود والنسائي ، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر " رواه أبو داود ، وهذه الأحاديث نصوص في أنها لا تباح بذكاة ولا دباغ .

التالي السابق


الخدمات العلمية