صفحة جزء
[ ص: 289 ] الفصل الثالث .

فيما مضى فيه الحكم واستقر أمره ؛ قال - في رواية حنبل - : حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الضبع بكبش وهي جارحة من جملة السباع .

وقال - في رواية أبي الحارث - : وإذا أصاد المحرم بقرة فقد قال الله : ( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) عليه بقرة ، وفي النعامة بدنة ، وفي حمار الوحش بدنة كذلك . قال عطاء : في حمار الوحش بدنة وفي الثيتل بقرة وفي الوعل بقرة ، وفي الأيل بقرة ، وفي الظبي شاة ، وفي الأرنب جفرة ، وفي اليربوع جفرة . والجفرة : الصغيرة من الغنم .

وقال - في رواية أبي طالب - : أذهب إلى حديث عمر في الضبع كبش ، وفي الظبي شاة ، وفي الأرنب جفرة ، وفي اليربوع جدي .

أما النعامة : ففيها بدنة ، وأما حمار الوحش : ففيه روايتان ؛ إحداهما : فيه بدنة نص عليه في رواية أبي الحارث ، وهو قول أبي بكر ، وابن أبي موسى .

والثانية : بقرة وهو قول القاضي وأصحابه .

[ ص: 290 ] والأيل بضم الهمزة وكسرها فيما ذكره الجوهري - مع فتح الياء المشددة - : ذكر الأوعال ، قال : والثيتل : الوعل المسن ، والوعل : الأروي .

وأما الضبع : ففيها كبش : الجذع من الضأن ، أو الثني من المعز هذا لفظه ، ولفظ أكثر أصحابه ، وكذلك جاء الحديث المرفوع ، وكذلك لفظ عمر .

وعن مجاهد قال علي : " الضبع صيد وفيه كبش إذا أصابه المحرم " رواه سعيد ، ولفظ بعض أصحابنا : شاة ، وسوى بينهما وبين الظبي والثعلب . وفي الظبي شاة . هذا لفظ أحمد .

وقال أبو الخطاب : في الظبي كبش ، وفي الغزال عنز وكذلك قال ابن [ ص: 291 ] أبي موسى : في الظبي شاة وفي الغزال عنز ؛ وذلك لما روى مالك ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب : " قضى في الضبع بكبش وفي الغزال بعنز وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة " .

ورواه ابن عيينة ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : " حكم عمر - رحمه الله - في الضبع شاة ، وفي الظبي شاة وفي الأرنب عناق ، وفي اليربوع جفرة " ومعلوم أنه إنما حكم بذلك إلا مع حكم آخر .

وعن محمد ابن سيرين : " أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال : إني أجريت أنا وصاحب لي فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية فأصبنا ظبيا ونحن محرمان فماذا ترى ؟ فقال عمر لرجل إلى جنبه : تعال حتى نحكم أنا وأنت ، قال : فحكما عليه بعنز ، فولى الرجل وهو يقول : هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم في ظبي حتى دعا رجلا حكم معه فسمع عمر قول الرجل ، فدعاه فسأله ؛ هل تقرأ سورة المائدة ؟ فقال : لا ، قال : فهل تعرف هذا الرجل الذي حكم معي ؟ فقال : لا ، فقال : لو أخبرتني أنك تقرأ سورة المائدة لأوجعتك ضربا ، ثم قال : إن الله يقول في كتابه : ( يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة ) وهذا عبد الرحمن بن عوف " رواه مالك .

[ ص: 292 ] وعن قبيصة بن جابر قال : " خرجنا حجاجا فكثر مراء القوم أيهما أسرع شدا الظبي ، أم الفرس ، فسنح لنا ظبي فرماه رجل منا فما أخطأ حنتاه ، فركب ردغه فأسقط في يدي الرجل ، فانطلقت أنا وهو إلى عمر بن الخطاب ، فجلسنا بين يديه ، فقص عليه صاحبي القصة ، فقال : أخطأ أصبته ، أم عمدا ؟ قال : تعمدت رميه وما أردت قتله ، فقال : لقد شركت الخطأ والعمد ، قال : ثم اجتنح إلى رجل يليه كأن على وجهه قلبا ، فساره ثم أقبل على صاحبي ، فقال : عليك شاة تصدق بلحمها وتبقي إهابها سقيا ، فلما قمنا قلت لصاحبي : إن فتيا ابن الخطاب لا تغني عنك من الله شيئا ، انحر ناقتك وعظم شعائر الله ، فذهب ذو العينين فنما ذلك إلى عمر بن الخطاب ، فأقبل على صاحبي صفوقا بالدرة ، وقال : قاتلك تقتل الحرام وتعدي الفتيا ، ثم أقبل [ ص: 293 ] علي فأخذ بمجامع ثوبي ، فقلت له : إنه لا يحل لك مني شيء حرم الله عليك ، فقال : ويحك إني أراك شابا فصيح اللسان فسيح الصدر ، أوما تقرأ في كتاب الله : ( يحكم به ذوا عدل منكم ) ثم قال : قد يكون في الرجل عشرة أخلاق ، تسعة منهن حسنة وواحدة سيئة ، فتفسد الواحدة التسع ، فاتق طيرت الشباب " .

وأما الثعلب : ففيه شاة . هذا لفظه ولفظ أكثر أصحابه ، ولفظ أبي الخطاب عنز ، والنصوص عنه في عامة كلامه : أنه يؤدي ، وصرح في بعض الروايات أنه يؤدي مع المنع من أكله ، وهذه طريقة الخلال وغيره .

وأما أبو بكر والقاضي وغيرهما : فجعلوا جزاءه مبينا على الروايتين في أكله ، وقد دل كلام أحمد أيضا على هذه الطريقة على ما تقدم .

واختار القاضي : أنه لا يؤدي بناء على أنه لا يؤكل ، وصرح ابن أبي موسى [ ص: 294 ] فيه بنقل الروايتين ؛ قال : فيه روايتان ؛ إحداهما : أنه صيد وفيه شاة ، والأخرى : ليس بصيد ولا شيء فيه .

وبالجملة : فمن وداه لا بد أن يلتزم أحد شيئين ؛ إما أنه مباح ، وإما أن بعض ما لا يحكم بإباحته يؤدي .

وفي الأرنب : شاة هذا لفظ أحمد في رواية أبي الحارث . ولفظه - في رواية أبي طالب - : فيها جفرة ؛ والجفرة عناق لها أربعة أشهر . وقال ابن أبي موسى : في الأرنب عناق وقيل : جفرة ، وقال :.... فيها عناق وهي قبل أن تصير جذعة ؛ لما تقدم عن عمر أنه حكم في الأرنب بعناق .

وقال الجوهري : العناق الأنثى من ولد المعز .

وعن سعيد بن جبير قال : " كان ابن عباس يقول في طير حمام مكة : شاة ، وفي الأرنب حمل ، وفي اليربوع حمل ، وفي الجرادة قبضة من طعام أو تمرة جلدة " . رواه سعيد .

[ ص: 295 ] وأما اليربوع ؛ وهو دابة بيضاء أكبر من الفأرة يمشي برجلين ، فقد قال - في رواية أبي الحارث - : فيه جفرة وهي الصغيرة من الغنم ، وذلك لما تقدم عن عمر أن فيه جفرة .

وعن أبي عبيدة : " أن رجلا ألقى جوالق على يربوع فقتله ، فحكم فيه عبد الله جفرة " رواه سعيد .

وقال أحمد - في رواية أبي طالب - : في اليربوع جدي .

وقد حكاها ابن أبي موسى على روايتين ، وليس هذا باختلاف معنى ، فإن الجفر من أولاد المعز : ما بلغ أربعة أشهر وجفر جنباه وفصل عن أمه . هذا قول الجوهري ، وبعض أصحابنا كأنه سمي بذلك لإشباع جوفه بما يغذيه من غير [ ص: 296 ] اللبن ، ومنه الجفر وهو البئر الواسعة التي لم تطو ، ويقال للجوف : جفرة .

وقال القاضي : الجفرة التي فطمت عن اللبن وكذلك قال أبو الخطاب : الجفرة الجدي حين يفطم .

وفي حل اليربوع : روايتان ، فيكون في جزائه بالإحرام مثل ما في الثعلب على ما تقدم .

وأما الضب : فيؤدي قولا واحدا ، وهل فيه شاة ، أو جدي - وهو ما دون الجذع - على وجهين ؛ أحدهما : شاة . والثاني : جدي وهو المشهور ، ذكره ابن أبي موسى لما تقدم عن عمر أنه حكم فيه - هو وأربد - بجدي قد جمع الماء والشجر ، يعني استغنى عن أمه بالرعي والشرب .

وفي الوبر : جدي قاله أصحابنا ؛ قالوا : وهو دويبة سوداء أكبر من اليربوع ، وحكمه حكم الثعلب ، لأن في حله روايتان .

[ ص: 297 ] وقال عطاء ومجاهد : " في الوبر شاة " وذكر ابن أبي موسى في الوبر شاة وفي اليربوع جدي ، وقيل : عنه جفرة .

وفي النسور حكومة .

وفي الثعلب : روايتان ، وأما السنور فقد قال - في رواية الكوسج - في السنور الأهلي ، وغير الأهلي حكومة ، أما السنور الأهلي : ففي ضمانه روايتان كما تقدم لأنه لا يحل ، وأما الوحشي : ففي حله روايتان فهو كالثعلب في الضمان فإذا قلنا : يضمن ففيه حكومة ؛ لأنه لم يمض من السلف فيه حكم .

والحكومة : أن يحكم بمثله من النعم .

التالي السابق


الخدمات العلمية