صفحة جزء
مسألة : ( الضرب الثاني : على الترتيب وهو هدي التمتع يلزمه شاة ، فإن لم يجد فيصام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع ).

هذا الهدي واجب بنص القرآن ، والسنة ، والإجماع ؛ قال الله تعالى : ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ) .

[ ص: 327 ] وبالسنة كما تقدم عن ابن عمر ، وبالإجماع .

وفيه فصول : -

الأول : في الهدي ويجزئ فيه ما يجزئ في الأضحية وهو بدنة ، أو بقرة ، أو شاة ، أو شرك في دم ؛ لأن الله قال : ( فما استيسر من الهدي ) والغنم : الهدي بدليل قوله في جزاء الصيد : ( هديا بالغ الكعبة ) ، ولا يقال : فقد يدخل في الجزاء ما لا يدخل في مطلق الهدي من الصغير والمعيب ويسمى هديا ؛ لأن ذلك إنما وجب باعتبار المماثلة المذكورة في قوله : ( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) وفي آية التمتع أطلق الهدي ، ولم يعتبر فيه مماثلة شيء ؛ ولأن ذلك يدل على أن المعيب والصغير من الأزواج الثمانية يكون هديا ، وهذا صحيح ، كما أن الرقبة المعيبة تكون رقبة في العتق ، لكن الواجب في مطلق الهدي والرقبة : إنما يكون صحيحا على الوجه المشروع .

وعلم ذلك بالسنة ؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم ( أهدى مرة غنما ) متفق عليه .

ولأن عائشة .. . .

[ ص: 328 ] وعن عكرمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ( قسم بين أصحابه في متعتهم غنما ، فأصاب سعدا يومئذ تيس ) رواه سعيد .

ولا يجب عليه الهدي حتى يكون واجدا له ؛ إما بأن يكون مالكه ، أو يجد ثمنه . فإن كان عادما بمكة واجدا ببلده بحيث يمكنه أن يقترض : لم يجب ذلك عليه نص عليه في رواية الأثرم إذا وجب عليه هدي متعة وليس معه نفقة وهو ممن لو استقرض أقرض فلا يستقرض ويهدي ، قال الله : ( فمن لم يجد فصيام ) وهذا ليس بواجد ؛ وذلك لأنه قد وجب عليه الهدي ، أو بدله في مكة فلم يجب عليه الاقتراض ، كما لو عدم الماء ، وهذا بخلاف عادم الرقبة في الظهار على أحد .. . .

ولأنها عبادة مؤقتة ذات بدل ، فإذا عدم المبدل حين الوجوب : جاز له الانتقال إلى بدله كالطهارة .

ويجب الهدي والصوم عنه بعد الوقوف في إحدى الروايتين ، وفي الأخرى : يجب إذا أحرم ، قال - في رواية ابن القاسم وسندي - وقد سئل متى يجب [ ص: 329 ] صيام المتعة فقال : إذا عقد الإحرام .

وقد تأول القاضي ذلك على أن الإحرام سبب للوجوب ، كما أن النصاب سبب لوجوب الزكاة ، لا أن الوجوب يتعلق به ، وإنما يتعلق بيوم النحر ، كما يتعلق وجوب الزكاة بالنصاب والحول .

وأقرها أبو الخطاب وغيره على ظاهرها ، وقال : معناه إذا أحرم بالحج ، ويؤيد ذلك ... . ، قال : والصيام للمتعة يجب على المتمتع إذا عقد الإحرام ، وكان في أشهر الحج وهذا يدخل على من قال : لا تجزئ الكفارة قبل الحنث ولعل هذا لا يحج ينصرف . وهم يقولون يجزئه الصيام . وفي قلبي من الصيام أيام التشريق شيء .

قال القاضي : وقوله : إذا عقد الإحرام أراد به إحرام العمرة ؛ لأنه شبهه بالكفارة قبل الحنث ، وإنما يصح الشبيه إذا كان صومه قبل الإحرام بالحج ؛ لأنه قد وجد أحد السببين ؛ ولأنه قال : إذا عقد الإحرام في أشهر الحج ، وهذا إنما يكون في إحرام العمرة ؛ لأن من شرط التمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ، [ ص: 330 ] لأن الله قال : ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) وبإحرامه بالحج صار متمتعا ؛ لأنه ترفه بحله وسقوط أحد السفرين عنه ، ولأن الله تعالى قال : ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ) فجعله بعد إيجاب الهدي عليه مأمورا بصيام ثلاثة أيام في الحج ، وهو يؤمر قبل يوم عرفة فعلم أنه قد وجب عليه الهدي قبل الصيام .

والرواية الأولى : اختيار القاضي .. . . ، ثم اختلفوا في معناها ؛ فقال القاضي : - في خلافه - وأبو الخطاب وابن عقيل في بعض المواضع وغيرهم : معناها أنه يجب عند انقضاء وقت الوقوف وهو طلوع الفجر يوم النحر ؛ لأنه وقت التحلل ، ووقت جواز الذبح ، ويتوجه على هذه الطريقة : أن لا يجب حتى يرمي الجمرة ، أو يجب إذا انتصفت ليلة النحر .

وقال القاضي : في المجرد وابن عقيل وغيرهما : معنى كلامه أنه إذا وقف بعرفة فقد وجب عليه . وهذا معنى كلامه بلا ريب ؛ قال - في رواية المروذي وإبراهيم - : ويجب على المتمتع الدم إذا وقف بعرفة والقارن مثله ، يروي فيه عن عطاء ، وفي لفظ آخر - في متمتع مات قبل أن يذبح - قال : إذا وقف بعرفات وجب عليه الهدي .

قال القاضي وابن عقيل : يجب بالوقف ويتأخر إخراجه إلى يوم النحر ، وذلك لأن الله إنما أوجب الهدي على من تمتع بالعمرة إلى الحج ، وإنما يكون متمتعا [ ص: 331 ] إذا أتى بالحج .. . .

وأما وقت ذبح الهدي : فإنه يوم النحر ، فلا يجوز الذبح قبله ، لكن يجوز يذبح فيه بعد طلوع الفجر ، قاله القاضي وغيره .

وقال : .. . وهذا هو المذهب المعروف المنصوص ؛ قال - في رواية ابن منصور :- وأما هدي المتعة فإنه يذبح يوم النحر .

وقال أبو الخطاب : لا يجوز نحر هديه قبل وقت وجوبه . فظاهر كلامه أنا إذا قلنا : يجب بالإحرام بالحج : ينحر حينئذ ، وليس كذلك .

وذكر بعض أصحابنا : رواية أنه إذا قدم قبل العشر : جاز أن يذبحه قبله ، وإن قدم فيه لم يذبحه إلى يوم النحر .

وهذه الحكاية غلط ؛ فإنه من لم يسق الهدي : لم يختلف أنه لا يذبح إلى يوم النحر ، ومن ساقه فقد اختلف - عنه - فيه لكن الخلاف هو في جواز نحر الهدي المسوق ، وفي تحلل المحرم .

[ ص: 332 ] أما الهدي الواجب بالمتعة : فلا ، بل عليه أن ينحره يوم النحر ؛ قال - في رواية يوسف بن موسى - فيمن قدم متمتعا وساق الهدي ، فإن قدم في شوال نحر الهدي وحل وعليه هدي آخر ، وإذا قدم في العشر أقام على إحرامه ولم يحل . قال القاضي : فقد نص على أنه إذا نحر قبل العشر كان عليه هدي آخر ، يعني في يوم النحر ، ولم يعتد بما ذبح قبله .

لأن الله يقول : ( ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله ) وما بعد الغاية يخالف ما قبلها ، فاقتضى ذلك أن بعد بلوغ الهدي محله يجوز الحلق ، والحلق إنما يجوز يوم النحر ، فعلم أن الهدي إنما يبلغ محله يوم النحر ، والآية عامة في هدي المحصر وغيره لعموم لفظها وحكمها ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه في حجة الوداع - : ( من لم يسق الهدي فليحل ، ومن ساق الهدي فلا يحل حتى يبلغ الهدي محله ) .

وعن عائشة - رضي الله عنها - في حديث لها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من أحرم بعمرة ولم يهد فليحل ، ومن أحرم بعمرة فأهدى فلا يحل حتى يحل بحج ، نحر هديه ) . متفق عليه .

وفي حديث ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله ) . رواه البخاري .

[ ص: 333 ] وعن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم ، ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله ) .

وعنها وعن ابن عمر - في حديث لهما ذكرا فيه : أن الناس تمتعوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للناس : ( من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ) . متفق عليهما .

فقد بين - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يحل حتى يحل نحر الهدي ، وبين أنه لا يحل حتى يقضي حجه ، فعلم أنه لا يحل نحر الهدي الذي ساقه ، ويبلغ محله : حتى يقضي حجه . فهديه الذي لم يسقه بطريق الأولى ؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى جميع من معه هدي من متمتع ومفرد وقارن أن يحلوا إلى يوم النحر ، وبين أنه إنما منعهم من الإحلال الهدي الذي ، وكذلك أخبر عن نفسه أنه لا يحل حتى ينحر ، وحتى يبلغ الهدي محله ، ولو كان الذبح جائزا قبل يوم النحر : لنحروا وحلوا ولم يكن الهدي مانعا من الإحلال قبل يوم النحر إذا كان ذبحه جائزا ، وهذا بين في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - المستفيضة عنه ؛ ولأن عامة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع كانوا متمتعين حلوا من إحرامهم لما طافوا بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، ولم ينحروا إلا يوم النحر ، وذبح النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه يوم النحر وكن متمتعات ، وقد قال : ( لتأخذوا عني مناسككم ) . فلو كان الذبح قبل النحر جائزا لفعله بعض المسلمين ، أو أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا سيما والمبادرة إلى إبراء الذمة أولى من التأخير .

وعن صدقة بن يسار قال : ( كنت عند ابن عمر ، فجاءه رجل كأنه بدوي - في العشر - فقال : إني تمتعت فكيف أصنع ؟ قال : طف بالبيت وبين الصفا والمروة ، وخذ ما تطاير من شعرك فإذا كان يوم النحر فعليك نسيكة ، قال : وما هي ؟ قال : شاة ) . رواه سعيد .

ولأن الله قال : ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) [ ص: 334 ] ووفاء النذور : هو فعل ما وجب عليهم من هدي ، وقد جعل الله ذلك مع قضاء التفث .

ولأن الله قال : ( لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق ) وهذا يقتضي أن الانتفاع بها له وقت محدود .

وأيضا : فإن هدي المتعة نسك ، فلم يجز ذبحه إلى يوم النحر كالهدي المنذور ، والأضحية الواجبة .

ولأنه أحد أسباب التحلل : فلم يجز تقديمه على يوم النحر كالحلق والرمي والطواف .

ودليل الوصف .. . .

[ ص: 335 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية