صفحة جزء
فصل

قد قلنا : إنه يجوز أن يصوم من حين الإحرام بالعمرة ، وإنما يكون هذا إذا لم يجد هديا حينئذ ، ويغلب على ظنه أنه لا يجده إلى يوم النحر ، فأما إن غلب عليه أنه يجده يوم النحر .. . .

[ ص: 347 ] فإذا شرع في صوم الثلاثة لم يلزمه الانتقال إلى الهدي ، بل يمضي في صومه ، وإن انتقل إليه فهو أفضل .

قال - في رواية حنبل - في المتمتع إذا صام أياما ، ثم أيسر أرجو أن يجزئه الصيام ، ويمضي فيه .

وقال - في رواية ابن منصور - في متمتع لم يجد ما يذبح ، فصام ثم وجد يوم النحر ما يذبح ؛ فمتى دخل في الصوم فليس عليه ، ونقول - في الكفارات كلها - : إذا دخل في الصوم يمضي فيه ، وكذلك إذا تيمم ثم دخل في الصلاة ، فليمض .

وهذا أصل مطرد لنا في الكفارات كلها : إذا قدر على التكفير بالمال بعد الشروع في الصيام : لم يلزمه الانتقال ؛ لأن الصوم لا يبطل بوجود الرقبة والهدي .

ويتخرج أنه يلزمه الانتقال ؛ لأن الهدي - على وجه - مثل ذلك الكفارات [ ص: 348 ] أنه إذا أيسر في الصيام انتقل إلى المال ، والانتقال هنا أوجه ؛ لأن الهدي إنما يستقر وجوبه وإنما يجزئ ذبحه يوم النحر بخلاف العتق في الكفارات فإن استقراره قبل الشروع في الصوم ، نعم هو يشبه كفارة الظهار إذا قلنا لا تستقر إلا بالوطء وكفر قبله .

وقد خرج ابن عقيل أنه يلزمه الانتقال التي بعد الشروع على الرواية التي تقول : الاعتبار في الكفارات بأغلظ الحالين .

وهذا تخريج غير سديد ؛ لأن ذلك إنما يجيء فيما إذا وجد الهدي قبل الشروع في الصوم كما سنذكره ، فإن وجب عليه الصوم فلم يشرع فيه حتى وجد الهدي : فهل يلزمه الانتقال إليه ؟ ذكر أصحابنا فيه روايتين ، أصحهما لا يلزمه الانتقال أيضا ، وبنوا ذلك على الروايتين في الكفارة : هل العبرة بحال الوجوب ، أو بأغلظ الحالين من حال الوجوب والأداء ، وهذا ينبني على حال وجوب الصوم ، فإن قلنا : يجب إذا أحرم بالحج ، وكان قد أحرم قبل النحر بأيام فهذه صورة مستقيمة .

وأما إن قلنا : إنه لا يجب الصوم ولا الهدي إلى يوم النحر ، أو قلنا : إذا أحرم [ ص: 349 ] بالحج فلم يحرم به إلى اليوم السابع ، أو الثامن ، أو التاسع فإنما معناه لا يجب وجوب استقرار في الذمة ، وإلا فإنه يجب عليه فعل الصوم قبل يوم النحر بلا تردد ، كما قلنا في المظاهر يجب عليه إخراج الكفارة قبل الوطء ، وإن قلنا لا يستقر في ذمته إلا بالوطء ، فنقول على هذا : إنما يجب عليه أداء الصوم قبل النحر بثلاث ليال ، فإذا وجد الهدي بعد انقضاء بعضها من غير صوم ، ثم وجد الهدي فهذه الصورة : يجب أن يجب فيها الهدي ولا يجزئه الصوم ، كما لو عزم المظاهر على العود ، ولم يصم حتى وجد الرقبة ، وذلك لأنه وجد الهدي قبل أن يجب الصوم ؛ فإن الصوم لا يجب في الذمة إلا إذا أحرم بالحج ، أو وقف بعرفة .

ووجوب أدائه قبل ذلك .. . .

وأما إن كان فرضه الصوم ودخل يوم النحر ولم يصم ، ثم وجد الهدي فهنا يشبه مسألة الكفارات إلا أن الصوم هنا فات وقته ، بخلاف الصوم في الكفارات . فقد فرط بتفويته ، وقد اختلفت الرواية عنه : فعنه أنه يهدي هديان ولا يجزئه الصوم ، وعنه : يقضي الصوم ويهدي ، وعنه : يقضيه من غير هدي كما سيأتي إن شاء الله . فإن هذه المسألة لها مأخذان ؛ أحدهما : أنه قد استقر البدل في الذمة .

والثاني : أنه قد فوته .

وأما التفريق بين أن يقدر على الهدي ، أو لا يقدر .. . .

التالي السابق


الخدمات العلمية