الفصل الثالث 
في 
الشروط التي بها يكون متمتعا يجب عليه الهدي ، وهي عشرة : 
أحدها : أن 
يعتمر في أشهر الحج ، فإن اعتمر في رمضان ، أو ما قبله من الشهور : لم يكن متمتعا ولا هدي عليه ، وهو أفضل من الاعتمار في أشهر الحج ، وكذلك إن اعتمر بعد الحج لم يجب عليه هدي ؛ نص عليه ، فقال : لا يجب على من اعتمر بعد الحج هدي . 
فلو 
تحلل من الحج يوم النحر وأحرم فيه بعمرة ، فقال القاضي : لا يكون متمتعا على ظاهر كلام 
أحمد  ؛ لأنه وإن كان من أشهر الحج ، فقد جعل في حكم ما ليس من أشهره ، بدليل أن الحج يفوت فيه ولا يدرك بإدراكه . 
وهذا مبني على جواز الإحرام بالعمرة . 
ومعنى العمرة في أشهر الحج   : أن يحرم في أشهر الحج ، فلو أحرم قبل هلال شوال بساعة : لم يكن متمتعا ، وكانت عمرته للشهر الذي أهل فيه لا للشهر الذي أحل فيه ، أو طاف فيه ، نص عليه في مواضع ، حتى قال : عمرة في شهر رمضان تعدل حجة ، فإن أدرك يوما من رمضان فقد أدرك عمرة في شهر رمضان . 
وقال - فيمن 
دخل بعمرة في شهر رمضان ودخل الحرم في شوال   - : عمرته في الشهر الذي أهل ، واحتج على ذلك بما رواه بإسناده عن 
أبي الزبير   [ ص: 361 ] أنه سمع 
 nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله  سئل عن 
المرأة تجعل على نفسها عمرة في شهر مسمى ، ثم يخلو إلا ليلة واحدة ، ثم تحيض قال : " لتخرج ثم لتهل بعمرة ، ثم لتنتظر حتى تطهر ، ثم لتطف بالكعبة وتصلي   " . ولا يعرف له مخالف في الصحابة . 
ولأن المتمتع إنما وجب عليه الدم لترفهه بسقوط أحد السفرين ، وذلك أنه قد كان يمكنه أن يحرم بالحج فقط فلما عدل عنه إلى الإحرام بعمرة وأتى بالحج أيضا : شرع له الهدي . فإذا أهل قبل شوال لم يمكنه الإهلال بالحج ؛ لأنه خلاف السنة ، فأحرم بالعمرة في وقت تنفرد به فهو كما لو أحرم لها وطاف قبل شوال . 
الشرط الثاني : أن يحج من عامه ذلك ، فلو اعتمر في أشهر الحج ، ورجع إلى مصره ، أو أقام بالحرم ولم يحج فليس بمتمتع بالعمرة إلى الحج . 
الشرط الثالث : أن لا يسافر بعد العمرة ، فإن سافر ثم رجع إلى 
مكة    : فليس بمتمتع ؛ لأنه سافر للحج سفرا كما سافر للعمرة سفرا ولم يترفه بسقوط أحد السفرين . 
وأما حد السفر الذي يخرجه عن التمتع : فقد قال 
أحمد    - في رواية 
أبي طالب    - : إذا 
اعتمر في أشهر الحج ، ثم سافر سفرا يقصر فيه الصلاة فليس بمتمتع - ويعجبني هذا القول - وإنما يكون المتمتع من جاء إلى 
مكة  في شوال ، أو ذي القعدة ، ومن جاء في غير هذه الشهور فإنما هي عمرة وليس هو متمتعا ، وإذا دخل بعمرة في هذه الشهور ثم انتظر حتى يهل بالحج من 
مكة  فهو متمتع . فإن خرج إلى الميقات وأهل بالحج فليس بمتمتع . 
وقال - في رواية 
حرب   nindex.php?page=showalam&ids=13665والأثرم    - من 
أحرم بعمرة في أشهر الحج فهو   
[ ص: 362 ] متمتع إذا أقام حتى يحج فإن خرج من الحرم سفرا يقصر في مثله الصلاة ، ثم رجع فحج : فليس بمتمتع ولا هدي عليه . 
وقال - في رواية 
يوسف بن موسى  ، 
وأحمد بن الحسين    - : إذا أقام فأنشأ الحج في 
مكة  فهو متمتع ، فإن خرج إلى الميقات فأحرم بالحج فليس بمتمتع . 
وقال - في رواية 
عبد الله    - : إذا سافر سفرا يقصر فيه الصلاة فليس بمتمتع . 
واختلفت عبارة أصحابنا في ذلك ؛ فقال القاضي - في المجرد - 
وابن عقيل    - في بعض المواضع - 
وأبو الخطاب  وجماعة وغيرهم : إذا 
خرج إلى الميقات فأحرم منه بالحج ، أو 
خرج إلى موضع بينه وبين مكة  ما يقصر فيه الصلاة ، فأحرم منه فليس بمتمتع ، وجعلوا كل واحد من خروجه إلى الميقات ، وإلى مسافة القصر : رافعا للمتعة ؛ لأنه قد نص على كل منهما في رواية واحدة ، وفي روايات متعددة . ومن هؤلاء من ذكر رواية أخرى : أن الذي يزيل المتعة : السفر إلى مسافة القصر من غير اعتبار الميقات ؛ لأنه قد نص على ذلك في روايات متعددة ، ولم يذكر الميقات ، ومن سلك هذا السبيل لزمه أن يحكي رواية ثالثة : بأن الاعتبار بخروجه إلى الميقات من غير اعتبار مسافة القصر ؛ لأنه قد نص على ذلك في روايات أخرى .  
[ ص: 363 ] وقال 
الخرقي  ، 
وابن أبي موسى  ، والقاضي ، 
وأبو الخطاب  في خلافهما ، 
والشريف أبو جعفر  ، 
وابن عقيل    - في مواضع - : الاعتبار بمسافة القصر خاصة . فمن سافر سفرا يقصر فيه الصلاة فليس هو بمتمتع . 
قال القاضي : إذا 
رجع المتمتع إلى الميقات بعد الفراغ من العمرة لم يسقط عنه دم المتعة ، وإن رجع إلى موضع تقصر فيه الصلاة سقط عنه دم المتعة . قال : وقول 
أحمد  فإن خرج إلى الميقات فأحرم بالحج فليس بمتمتع محمول على أن بين الميقات وبين 
مكة  مسافة القصر . 
وعند هؤلاء أن معنى كلام 
أحمد  يرجع إلى هذا . 
واعلم أن هذا الاختلاف لا يرجع إلى اختلاف في الحكم ، وذلك لأن المواقيت كلها بينها وبين 
مكة  مسافة القصر ؛ فإن 
ذا الحليفة  بينها وبين 
مكة  عشر مراحل من ناحية الساحل ، والجحفة بينها وبين 
مكة  ثلاثة أيام ، وسائر المواقيت بينها وبين 
مكة  يومان قاصدان . فكل من خرج إلى ميقات فقد خرج إلى مسافة القصر ، وقد يخرج إلى مسافة القصر من ناحية 
المدينة  والشام    . ولا يصل إلى الميقات ، فإذن كلا الطريقين جيدة ، وإن كان الضابط في الخفين السفر إلى مسافة القصر . لكن من اعتقد في المسألة روايتين توهم أنه يخرج إلى الميقات من لا يبلغ مسافة القصر ليجعل المسألة على روايتين ، أو تناول كلام 
أحمد  في بعض المواضع ، أو يقول : إنه لا يسقط عنه المتعة بالخروج إلى ميقاته ، أو يعتقد أن كلا منهما شرط على انفراده : فقد غلط غلطا مستنده عدم العلم بالمسافة ، وهذا واقع في كلام طائفة من أصحابنا ، وهو مخالفة واضحة   
[ ص: 364 ] لكلام أحمد ؛ فإنه قد نص على أن الخروج إلى الميقات مسقط من غير تقييد بمسافات المواقيت . 
وإنما اعتبره 
أحمد  ؛ لأنه إذا 
سافر بعد العمرة إلى مسافة القصر فأحرم منها بالحج من ناحية ميقاته أو غيرها ، لم يترفه بسقوط أحد السفرين ، بل سافر للحج سفرا صحيحا فزال معنى التمتع في حقه ، وإن لم يرجع إلى مصره ، أو لم يبلغ الميقات فإن الموجب للدم سقوط أحد السفرين ، بدليل وجوبه على القارن لما جمع بين النسكين في سفرة واحدة في أشهر الحج . ولو كانت العلة أنه لم يحرم من الميقات لم يجب على القارن دم . 
وقد تقدم أن المتمتع - في لسان الصحابة والتابعين - : هو أن يجمع بين العمرة والحج في أشهره بسفرة واحدة ، فإن سافر بينهما إلى مسافة القصر ، ثم رجع فأحرم بالحج من 
مكة  ، أو أحرم به من دون مسافة القصر : فعليه دم لإحرامه دون ميقاته ؛ لأن ميقات من إن شاء الحج من دون المواقيت من موضعه ، وليس عليه دم متعة ، كما لو رجع إلى مصره ثم دخل مكة بغير إحرام . ولهذا أطلق أحمد القول : بسفر تقصر فيه الصلاة ، ولم يشترط إحرامه منه في كونه غير متمتع . 
واشترط 
أبو الخطاب  وغيره من أصحابنا : أن يحرم بالحج من مسافة القصر . 
وقال بعضهم : إذا سافر وأحرم من 
مكة  فليس بمتمتع . 
وإن رجع إلى 
مكة  غير قاصد للحج - محلا - ثم بدا له الحج فأحرم منها فعليه أيضا دم كما تقدم . 
وإن سافر قبل التحلل من العمرة إلى ما يقصر فيه الصلاة ورجع حراما ، إما   
[ ص: 365 ] بأن يكون سائقا هديا ، أو لم يكن فقد قيل : ليس بتمتع أيضا على ظاهر قول أصحابنا . والأشبه : أنه متمتع كما لو سافر القارن ، أو أحرم بالحج من 
مكة  ، ثم سافر محرما إلى ما يقصر فيه الصلاة . 
الشرط الرابع : أن لا يكون من حاضري 
المسجد الحرام  ؛ لقوله سبحانه : ( 
ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام   ) ، وحاضرو 
المسجد الحرام    : أهله ومن بينه مسافة لا تقصر فيها الصلاة . 
وهل العبرة ببعده عن الحرم ، أو عن نفس 
مكة  ؟ على روايتين . 
وعنه أنهم هؤلاء ومن دون المواقيت مطلقا . والأول هو المذهب . قال - في رواية 
أبي طالب    - فيمن كان حول 
مكة  فيما لا تقصر فيه الصلاة : فهو   
[ ص: 366 ] مثل 
أهل مكة  ليس عليهم عمرة ، ولا متعة إذا قدموا في أشهر الحج . ومن كان منزله فيما يقصر فيه الصلاة : فعليه المتعة إذا قدم في أشهر الحج ، وأقام إلى الحج . 
وقال - في رواية 
المروذي    - : إذا كان منزله دون الميقات مما لا يقصر فيه الصلاة فهو من 
أهل مكة    .. . . 
فعلى هذا : أهل المواقيت ليسوا من حاضري 
المسجد الحرام  ؛ لأن أدناهم بينه وبين 
مكة  ليلتان . 
وذكر القاضي : أن منها ما بينه وبين 
مكة  دون ذلك وهم أهل قرن وذات .. . .