صفحة جزء
مسألة : ( والحلق والتقليم والوطء وقتل الصيد يستوي عمده وسهوه وسائر المحظورات : لا شيء في سهوه ) .

في هذه المسألة فصول ؛ - [ ص: 396 ] أحدها : أن المحظور الذي يمكن تداركه ، وإزالته عند الذكر ؛ مثل اللباس والطيب ، إذا فعله ناسيا لإحرامه ، أو جاهلا بأنه حرام : فإذا ذكر ، أو علم فعليه أن يزيله في الحال ولا كفارة عليه في إحدى الروايتين .

قال - في رواية أبي طالب - إذا وطئ يعني ناسيا - بطل حجه ، وإذا قتل صيدا ، وحلق شعره لم يقدر على رده ، فهذه الثلاثة : العمد والنسيان سواء ، وكل شيء من النسيان بعد الثلاثة فهو يقدر على رده ؛ مثل إذا غطى رأسه ، ثم ذكر ألقاها عن رأسه وليس عليه شيء ، أو لبس ثوبا ، أو خفا وليس عليه شيء .

وقال - في رواية ابن القاسم - : إن تعمد التغطية وجب عليه والناسي يفزع إلى التلبية ونحوه نقل حرب ، وهذا اختيار الخرقي وأبي بكر وأكثر متقدمي أصحابنا ، وهو اختيار الشيخ .

[ ص: 397 ] والرواية الثانية : عليه الكفارة ، قال - في رواية ابن منصور - فيمن لبس قميصا ناسيا عشرة أيام : عليه كفارة واحدة ما لم يكفر ، وهذه الرواية اختارها القاضي ، وأكثر أصحابه مثل الشريف ، وابن عقيل ، وأبي الخطاب ، وغيرهم ؛ لأن ذلك محظور من محظورات الإحرام ، فاستوى فيه العامد والساهي في وجوب الفدية كالحلق وقتل الصيد والوطء ؛ لأنه سبب يوجب الفدية فاستوى فيه العالم والجاهل كترك واجبات الحج .

ولأن ما يحظره الإحرام لا فرق فيه بين العامد والمخطئ كتفويت الحج ، ولأن النسيان والجهل إنما هو عذر في فعل المحظور ، ومحظورات الإحرام إذا فعلها لعذر ، أو غير عذر فعليه الجزاء .

ووجه الأولى : ما روى يعلى بن أمية : ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : جاءه رجل متضمخ بطيب ، فقال : يا رسول الله ، كيف ترى في رجل أحرم في جبة بعدما تضمخ بطيب ؟ ، فنظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءه الوحي ، ثم سري عنه ، فقال : أين الذي سألني عن العمرة آنفا ، فالتمس الرجل فجيء به ، فقال : أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات ، وأما الجبة فانزعها ، ثم اصنع في العمرة كما تصنع في حجك ) . متفق عليه . فقد أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بنزع المخيط ، ولم يأمر بفدية لما مضى ؛ لأنه كان جاهلا ، وكذلك لم يأمره بفدية لأجل الطيب إن كان النهي عنه لأجل الإحرام .

فإن قيل : التحريم إنما ثبت في ذلك الوقت ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - انتظر الوحي حين سئل .. . .

[ ص: 398 ] وأيضا : فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال - للذي أكل ناسيا - : ( الله أطعمك وسقاك ) فعلم أن فعل الناسي مضاف إلى الله فلا يؤثر في العبادة ، ومثله يقال للكاسي : الله كساك ، بل منافاة الأكل للصوم أشد من منافاة اللبس للإحرام .

وأيضا : فإن الأصل فيما كان من باب المنهي عنه : أن لا يؤثر فعله مع النسيان في حقوق الله ؛ لأن المسلمين لما قالوا : "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا ، أو أخطأنا ، قال الله : قد فعلت " ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان ) بخلاف حقوق الآدميين ، فإنهم لم يعفوا عن حقوقهم .

وأما الفرق بين اللباس والحلق فسيأتي .

التالي السابق


الخدمات العلمية