صفحة جزء
مسألة : ( ويكون راكبا )

وجملة ذلك : أن الوقوف بعرفة عبارة عن الكون بها سواء كان قائما ، أو قاعدا ، أو مضطجعا ، أو ماشيا ، لكن اختلف أصحابنا في أفضل الأحوال للوقوف ، فقال بعضهم : الأفضل أن يكون راكبا كما ذكره الشيخ ، وهذا هو قول الأثرم وهو منصوص ... وكذلك ذكر القاضي ; قال ابن القاسم : قلت [ ص: 503 ] لأحمد : روي عن مالك أنه كان يقول : الوقوف بعرفة على ظهور الدواب سنة ، والوقوف على الأقدام رخصة ، فكيف تقول في هذا ؟ قال : قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه وقف وهو راكب .

وظاهره أنه وافق مالكا ، واحتج له ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف راكبا ، ولا يفعل إلا الأفضل ، وقد قال : " خذوا عني مناسككم " وكذلك ...

وقال بعضهم : الراجل أفضل ، قال القاضي : وقد نص أحمد على أن رمي الجمار ماشيا أفضل ، كذلك يجيء عنه في الوقوف .

وقال محمد بن الحسن بن هارون : سألته عن الوقوف بعرفة راكبا فرخص في ذلك ، وقال : النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف على راحلته ، وظاهره أنه رخصة ، وهذا اختيار ابن عقيل ، قال : لأن جميع العبادات والمناسك على ذلك ; يعني من الطواف ، والسعي ، والوقوف بمزدلفة وبمنى ، وإنما وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - راكبا ليرى الناس ويروه .

فعلى هذا يقف الإمام راكبا ، وكذلك قال القاضي في الأحكام السلطانية : وقوفه على راحلته ليقتدي به الناس أولى .

[ ص: 504 ] لأن في ذلك تخفيفا عن المركوب ، وتواضعا لله بالنزول إلى الأرض .

فعلى هذا إذا أعيي من القيام فهل يكون قعوده أفضل ؟ ... .

وقيل : هما سواء ، وقد نقل ابن منصور ، عن أحمد : أيهما أفضل أن يقف راكبا أو راجلا ؟ فتوقف .

ومن رجح الأول قال : الوقوف يطول زمانه ، والواقف على رجليه يعيى ويكل ، وذلك يضجره عن الدعاء والابتهال .

التالي السابق


الخدمات العلمية