صفحة جزء
( الفصل السادس )

أن السنة أن يرميها من بطن الوادي ، وهو الطريق يماني الجمرة ، هذا هو المذهب المعروف المنصوص ، قال عبد الله : قلت لأبي : من أين يرمى الجمار ؟ قال : من بطن الوادي .

وقال حرب : سألت أحمد : قلت : فإن رمى الجمرة من فوقها ؟ قال : لا ، ولكن يرميها من بطن الوادي ، قلت لأحمد : يكبر ؟ قال : يكبر مع كل حصاة تكبيرة ، قلت : بعد الرمي أو قبل الرمي ؟ قال : يرمي ويكبر.

وذكر القاضي عن حرب ، عن أحمد : لا يرمي الجمرة من بطن الوادي ، ولا يرمي من فوق الجمرة ، قال القاضي : يعني لا يرميها عرضا من بطن الوادي .

وقال ابن عقيل : إنما لم يستبطن الوادي ; لأنه أمر أن يرمى إليه لا فيه ، فإذا رمى فيه سقط وقوفه على ما علاه ، وسقط بعض ماحية بالرمي .

[ ص: 531 ] وهذا غلط على المذهب منشأه الغلط في نقل الرواية .

وقد ذكر القاضي - في موضع آخر - المذهب كما حكيناه ، ولعل سببه أن النسخة التي نقل منها رواية حرب كان فيها غلط ، فإني نقلت رواية حرب من أصل متقن قديم من أصح الأصول ، وكذلك ذكرها أبو بكر في الشافي ; لما روى قدامة بن عبد الله الكلابي : " أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى جمرة العقبة من بطن الوادي يوم النحر على ناقة له صهباء لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك " رواه أحمد وابن ماجه والنسائي ، ولم يذكروا فيه من بطن الوادي .

وعن عبد الرحمن بن زيد أنه كان مع عبد الله بن مسعود ، فأتى جمرة العقبة فاستبطن الوادي فاستعرضها فرماها من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة قال : فقلت : يا أبا عبد الرحمن إن الناس يرمونها من فوقها ، فقال : [ ص: 532 ] هذا - والذي لا إله إلا هو - مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة " متفق عليه .

وفي رواية للبخاري : " فاستبطن الوادي حتى إذا حاذى الشجرة اعترضها فرماها بسبع حصيات ، فكبر مع كل حصاة ، ثم قال : من هاهنا - والذي لا إله غيره - قام الذي أنزلت عليه سورة البقرة " .

وفي رواية لأحمد : " أنه انتهى إلى جمرة العقبة ، فرماها من بطن الوادي بسبع حصيات ، وهو راكب يكبر مع كل حصاة ، وقال : اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا ، ثم قال : هاهنا كان يقوم الذي أنزلت عليه سورة البقرة " .

وفي حديث جابر : " أنه رمى من بطن الوادي " ، وكذلك في عدة أحاديث ولا معدل عن السنة الصحيحة الصريحة ، أم كيف يجوز أن ينسب إلى أحمد أنه قال : لا ترمي من بطن الوادي ، وهو أعلم الناس بسنته وأتبعهم لها .

التالي السابق


الخدمات العلمية