صفحة جزء
( فصل )

وأما التمتع فلا بد له من طواف للعمرة وسعي لها ، وهل عليه سعي آخر للحج ؟ على روايتين منصوصتين : إحداهما : عليه سعيان كما عليه طوافان ، قال في رواية الأثرم : القارن يجزئه طواف واحد وسعي واحد ، والمتمتع طوافان وسعيان .

[ ص: 565 ] وقال - في رواية حنبل - وقد سئل عن القارن كم يطوف ويسعى بين الصفا والمروة - فقال : يجزئه طواف واحد إذا دخل بالحج والعمرة ، فإن دخل متمتعا بعمرة ثم حج فأرى أن يسعى سعيا للعمرة وسعيا للحج . هذا هو المعروف عند أصحابنا .

والرواية الثانية : يكفيه سعي واحد ، قال عبد الله بن أحمد : قلت لأبي : المتمتع كم يسعى بين الصفا والمروة ؟ قال : إن طاف طوافين فهو أجود ، وإن طاف طوافا واحدا فلا بأس ، وإن طاف طوافين فهو أعجب إلي ، واحتج بحديث جابر : " لم يطف النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا ؛ طوافه الأول " .

وقال المروذي : قال أبو عبد الله : إن شاء القارن طاف طوافا واحدا ، وإن شاء المتمتع طاف طوافا واحدا .

وهذا هو الصواب بلا شك ; لحديث جابر المذكور ، وكذلك عامة الأحاديث ، فيها أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما طافوا بين الصفا والمروة الطواف الأول ، ومن قال من أصحابنا : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان متمتعا . فهذا لازم له ; لأن الأحاديث الصحيحة لم تختلف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسع بين الصفا والمروة إلا مرة واحدة ، وأنه لما طاف طواف الإفاضة لم يسع بعده ، وهذا بين في حديث ابن عمر ، وابن عباس ، وعائشة ، وجابر ، وغيرهم ، وقد تقدم كثير من ذلك فيما مضى .

[ ص: 566 ] وعن جابر قال : " خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهلين بالحج مع النساء والولدان ، فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت وبين الصفا والمروة ، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من لم يكن معه هدي فليحلل ، قال : فقلنا : أي الحل ؟ قال : الحل كله . فأتينا النساء ، ولبسنا الثياب ، ومسسنا الطيب ، فلما كان يوم التروية أهللنا بالحج ، وكفانا الطواف الأول بين الصفا والمروة " رواه مسلم وأبو داود ، وهذا نص في أنهم تمتعوا واكتفوا بطواف واحد بين الصفا والمروة .

فإن قيل : فحديث عائشة الذي قالت فيه : " فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم حلوا ، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم ، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة ، فإنما طافوا طوافا واحدا " .

وكذلك حديث ابن عباس المتقدم : " ولأنكم قد استحببتم طوافين ، وإذا كان الصحابة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قد اقتصروا على طواف واحد ، فلا معنى لاستحباب الزيادة عليهم .

قلنا : لعل جابرا أخبر عن بعض المتمتعين ، وعائشة أخبرت عن بعضهم ، فإنهم كانوا خلقا كثيرا ، فأخبر جابر عما فعله هو ومن يعرفه ، وأخبرت عائشة عما فعله من تعرفه ، والله أعلم بحقيقة الحال ، على أن أحاديث جابر وأصحابه مفسرة واضحة لا احتمال فيها .

وإنما استحب أحمد الطوافين ؛ لحديث ابن عباس وعائشة ؛ ولأنه أحوط وأتم ، وأيضا فإن المتمتع إنما يفعل عمرة في حجة ؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنه قد أدخل عليكم في حجكم عمرة " فهو حاج من حين يحرم بالعمرة ، بخلاف العمرة المفردة ، فذلك السعي يجزئ عن عمرته وحجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية