صفحة جزء
مسألة :

" وارتاد موضعا رخوا " .

لما روى أبو موسى قال : " مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دمث في جنب حائط ( فبال ثم قال : كان بنو إسرائيل إذا بال أحدهم فأصابه شيء من بوله يتبعه فيقرضه بالمقاريض وقال : إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله ) . ( ولا يقضي حاجته في المستحم ثم يتوضأ أو يغتسل فيه ) ؛ لأنه يورث الوسواس ، وربما أصابه شيء منها ؛ ولذلك يكره الاستنجاء في كل موضع [ ص: 145 ] نجس إلا المكان المعد للاستنجاء خاصة ، ويكره البول في الماء الدائم وإن كثر وبلغ حدا لا يمكن نزحه لعموم النهي عن ذلك .

ولأن فتح هذا الباب يفضي إلى كثرة البول فيغيره ، وهي الموارد المذكورة في حديث معاذ . وعن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اتقوا الملاعن الثلاث أن يقعد أحدكم في ظل يستظل فيه أو في طريق أو في نقع ماء " . رواه أحمد .

وأما الجاري فيكره فيه التغوط لبقاء أثره ، فأما البول فلا يكره إلا أن تكون الجرية قليلة وتحتها مستعمل يصيبه بيقين لمفهوم النهي عن البول في الماء الدائم ، ولا يكره البول في الآنية [ ص: 146 ] للحاجة ؛ لما روي عن عائشة قالت يقولون : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى " إلى علي لقد دعا بالطست ليبول فيها فانخنثت نفسه وما أشعر فإلى من أوصى رواه النسائي . وعن أميمة بنت رقيقة قالت : " كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل " . رواه النسائي وأبو داود .

ولا يكره البول قائما لعذر ، ويكره مع عدم العذر إذا خاف أن ترى عورته أو يصيبه البول ، فإن أمن ذلك لم يكره في المنصوص من الوجهين ؛ لما روى حذيفة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما " . رواه الجماعة . وفي الآخر يكره لما روي عن عائشة قالت : " من حدثكم أن [ ص: 147 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائما فلا تصدقوه ما كان يبول إلا جالسا " رواه أحمد وابن ماجه والنسائي والترمذي ، وقال : هو أحسن حديث في هذا الباب وأصح . وهذا يدل على أن الغالب عليه كان الجلوس ، وأن بوله قائما كان لعذر إما لأنه لم يتمكن من الجلوس في السباطة أو لوجع كان به . لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " بال قائما من جرح كان بمأبضه " أي تحت ركبته ، قال الشافعي : ( كانت العرب تستشفي لوجع الصلب بالبول قائما ، فترى لعله كان به إذ ذاك وجع الصلب ) ولكن قد رويت الرخصة عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وأبي هريرة وابن عمر وسهل بن سعد وأنس ؛ ولأن الأصل الإباحة فمن ادعى الكراهة فعليه الدليل .

التالي السابق


الخدمات العلمية