صفحة جزء
( فصل )

وقد اتفق أصحابنا على أنه يطوف ويسعى ثم يحل ، واختلفت عباراتهم في هذا العمل ، فقال أكثرهم : يتحلل بعمرة ويخرج من إحرام الحج إلى إحرام العمرة بمنزلة الذي يفسخ الحج إلى العمرة ، صرح بذلك أبو بكر [ ص: 662 ] والقاضي وأصحابه وغيرهم ، وهو المفهوم من كلام أحمد والخرقي ، قالا : إذا فاته الحج تحلل بعمرة ، بل هو المنصوص صريحا عن أحمد ، لأنه نص على أن من فاته الحج بعد أن طاف وسعى أنه يتحلل بعمرة ، ولو كان إنما يفعل طواف الحج وسعيه لم يحتج إلى سعي ثان .

ثم اختلفت عبارة هؤلاء ، فقال القاضي وأصحابه : يتحول إحرامه بالحج إحراما بعمرة ، فعلى هذا لا يحتاج إلى قصد وإرادة ؛ لأن أحمد قال : يكفيه الإهلال الأول .

وقال أبو بكر : إذا فاته الحج جعله عمرة وعليه دم ، قال أحمد : إذا فاته الحج جعلها عمرة .

وقال ابن حامد : إحرام الحج باق ، ويتحلل منه بعمل عمرة ، وهو ظاهر كلام المصنف .

[ ص: 663 ] وذكر القاضي أن قول أحمد - في رواية ابن القاسم - في الذي يفوته الحج : يفرغ من عمله إيماء إلى هذا القول ؛ وذلك لأن الإحرام بالحج أوجب عليه أفعالها كلها ، فتعذر الوقوف وما يتبعه لا يوجب تعذر الطواف وما يتبعه ، فوجب أن يكون هذا الطواف هو الطواف الذي أوجبه إحرام الحج .

ونحن وإن قلنا : إنه يجوز له فسخ الحج إلى العمرة ، فإنما ذاك أن يفسخ باختياره ، ويأتي بعد ذلك بالحج ، وهنا الانتقال إلى العمرة يصير واجبا ، ولا حج معه ، فكيف يقاس هذا على فسخ الحج إلى العمرة ؟

والأول : أصح لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الحج عرفة " وبين أن من لم يدركها ، لم يدرك الحج ، فلو كان قد بقي بعض أعمال الحج لكان إنما فاته بعض الحج ، ولكان قد أدرك بعض الحج ، ولم يكن فرق بين قوله : " الحج عرفة " ، والحج الطواف بالبيت ، لو كان كل منهما يمكن فعله مع فوت الآخر ، فلما قال : " الحج عرفة " علم أن سائر أفعال الحج معلقة به ، فإذا وجد أمكن أن يوجد غيره ، وإذا انتفى امتنع أن يوجد غيره .

وأيضا : فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كلهم صرحوا بأنه يجعلها عمرة ، ومنهم من قال : " يهل بعمرة " .

وهذا كله دليل بين في أنه يجعل إحرامه بالحج عمرة ويهل بها ، كما قد يجعل الرجل صلاة الفرض نفلا . نعم قد روي في بعض الطرق أن عمر قال لأبي أيوب : " اصنع كما يصنع المعتمر وقد حللت ، فإذا أدركت قابل فاحجج ، وأهد ما تيسر من الهدي " رواه النجاد . وهذا كقول النبي - صلى الله عليه وسلم [ ص: 664 ] لعائشة - لما حاضت - : " اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " .

وأيضا : فإن طواف الحج الواجب بعد التعريف ، كما أن الوقوف بمزدلفة لا يصح إلا بعده ؛ لأن الله قال : ( ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ) فمن لم يعرف كيف يطوف للحج ولم يقض تفثه ولم يوف نذره ؟

وأيضا : فإن العبادة المؤقتة التي يشترط الوقت لصحتها إذا فاتت زالت جميعها كالجمعة ، ولا يجوز أن يتمم شيء منها على أنه منها بعد خروج وقتها ، فكيف يجوز أن يقال : قد فاته الحج ويمضي فيما بقي من أفعال الحج ؟

نعم لما كان الإحرام يجب عليه إتمامه ، وإتمامه إنما يكون في حج أو عمرة ، وقد تعذر إتمامه لحجة ، أتمه لعمرة ؛ لأنه لا يجوز أن يخرج من الإحرام إلا بالتحلل ، ولا يتحلل من قدر على البيت إلا بعمرة أو حج ، فكان انتقاله إلى ما هو جنسه العبادة التي تضمنته العبادة أشبه ، وهذا كمن أحرم بالفرض قبل وقته ، فإنه يصير نفلا ؛ لأن الصلاة اشتملت على شيئين ، فإذا امتنع أحدهما .... الآخر ، كذلك الحج الأصغر هو بعض الأكبر ، فإذا تعذر الأكبر بقي الأصغر .

وأيضا : فإن كونه يجوز فسخ الحج إلى العمرة ، فإنما ذاك إذا أمكن إتمامه كما أمر الله ، فأما إذا لم يمكن إتمامه صار انتقاله إلى العمرة ضرورة ، و.... غيره . فائدة هذا أنه إذا قلنا : يجعل إحرامه عمرة .... ، وأن يحج كان بمنزلة من أدخل عمرة على إحرامه بالحج قبل أشهر الحج ، وأما ..... أحرم بعمرة لم [ ص: 665 ] يصح على القولين . ولو أراد أن يبقى محرما إلى عام قابل فيحج به لم يكن له ذلك .

ولو بقي إلى عام قابل ، وطاف وسعى في أشهر .... متمتعا ، ولو كان قارنا فإنه يفعل عمرة الفوات ، وعمرة القران .... للحج وليس عليه إلا دم واحد .... ابن أبي موسى ، ومن أهل بح .... الحج أجزأه دم واحد .... .

التالي السابق


الخدمات العلمية