صفحة جزء
مسألة :

" وإن اقتصر على الاستجمار أجزأه إذا لم تتعد النجاسة موضع الحاجة " .

أما إذا لم تتعد النجاسة موضع الحاجة فإنه يجزئه الاستجمار إذا أنقى وأكمل العدد سواء في ذلك جميع ما يستنجى منه من البول والمذي والودي والدم وغير ذلك .

[ ص: 157 ] وإنما يجزي بشرطين أحدهما الاتقاء ؛ لأنه هو المقصود ، وعلامة ذلك ألا يبقى في المحل شيء يزيله الحجر ، والثاني ثلاث مسحات ؛ لما تقدم من حديث سلمان ، ولما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار ، فإنها تجزئ عنه ، رواه أبو داود فعلق الإجزاء بها ، ونهى عما دونها ، وهذا إجماع من الأمة أن الاقتصار على الأحجار يجزئ من غير كراهة ، وأما إذا تعدت موضع الحاجة فلا يجزئه إلا الماء ؛ لأن الأصل أن يجب إزالة النجاسة بالماء ، وإنما رخص في الاستجمار لتكرار النجاسة على المخرج ومشقة إيجاب الغسل ، فإذا تعدت عن المخرج المعتاد خرجت عن حد الرخصة فوجب غسلها كنجاسة سائر البدن ، وحد ذلك أن ينتشر الغائط ( إلى نصف باطن الألية فأكثر وينتشر البول إلى نصف الحشفة فأكثر ) فأما ........ والرمة بأنهما طعام الجن ، ودليل على أن الحكم يعم الحجارة وغيرها وإلا لنهي الناس عنها سوى الأحجار عموما .

وقد روى الدارقطني عن طاووس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أتى أحدكم البراز فليستطب بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاث حثيات من تراب ثم ليقل الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأمسك [ ص: 158 ] علي ما ينفعني " وهو مرسل حسن . الشرط الأول : أن يكون جامدا ؛ لأن المائع إن كان مطهرا فذلك غسل واستنجاء ، وإن لم يكن مطهرا أماع النجاسة ونشرها وحينئذ لا يجزئه إلا الماء ؛ لأن النجاسة انتشرت عن المخرج المعتاد ، والثاني : أن يكون طاهرا فلا يجوز بجلد ميتة ولا بروث نجس ولا عظم نجس ولا حجر نجس ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستنجاء بالروث والعظم في حديث ابن مسعود وأبي هريرة وسلمان وخزيمة بن ثابت وسهل بن حنيف ورويفع بن ثابت وقد تقدم أكثرها ؛ وذلك يعم العظم الطاهر والنجس ، والروث الطاهر والنجس ، أما الطاهر فقد علله بأنه زاد إخواننا من الجن ؛ ففي النجس منه لا علة له إلا النجاسة ( لا ) سيما الروثة وكسائر الركس والنجس ( وهما ) [ ص: 159 ] بمعنى واحد ولا يقال الجميع زاد الجن ؛ لأنه قد بين " إنما زادهم كل عظم ذكر اسم الله عليه " .

ولأنه إذا استجمر بشيء نجس أورث المحل نجاسة غير نجاسته ، وما سوى نجاسته لا يجزئ الاستجمار فيها ، وكذلك لو خالف واستنجى بالنجس لم يجزئه الاستجمار . ثانيا : وتعين الماء وقيل يجزئ ؛ لأن هذه النجاسة مائعة لنجاسة المحل ، ولا يقال المقصود الإنقاء وقد حصل لأن الاستجمار رخصة فلا يستباح بمحرم ، ولأن الإنقاء من نجاسة المستنجى به غير حاصل . الثالث : أن يكون منقيا ؛ لأن الإنقاء هو مقصود الاستجمار فلا يجزئ بزجاج ولا فحم رخو ولا حجر أملس . الرابع : أن ( لا ) يكون محترما مثل الطعام ، ولا يجوز الاستنجاء به سواء في ذلك طعام الإنس والجن وعلف دواب الإنس والجن .

لما روى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الجن سألوه الزاد فقال : " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما ، وكل بعرة علف لدوابكم " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلا تستنجوا بهما فإنهما زاد إخوانكم " وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يحمل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إداوة لوضوئه وحاجته ، فبينما هو يتبعه قال : " ابغني أحجارا أستنفض بها ولا تأتني بعظم ولا بروثة " فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي حتى وضعتها إلى جنبه ثم انصرفت حتى إذا فرغ مشيت معه . فقلت : ما بال العظم والروثة ؟ فقال : " هما من طعام الجن ، وإنه أتاني وفد جن نصيبين ونعم الجن فسألوني الزاد فدعوت الله لهم إلا يمروا بعظم ولا [ ص: 160 ] بروثة إلا وجدوا عليها طعاما " . رواه البخاري ، فبين له صلى الله عليه وسلم ما هو طعام الجن ونهانا عنه ، وتبرأ ممن يستنجئ به فبما هو طعامنا أولى ، وكذلك ما مكتوب فيه اسم الله تعالى أو شيء من الحديث والفقه سواء كان ورقا ، أو حجرا ، أو أديما ؛ لأن حرمته أعظم من حرمة علف دواب الجن ، وكذلك أيضا ما هو متصل بحيوان كيده ، وذنبه ، وريشه ، وصوفه ، وكذلك يد نفسه ، سواء في ذلك الحيوان الطاهر ، والنجس الآدمي وغيره ؛ ولأن الحيوان محترم فأشبه المطعوم ، وإذا كان قد نهى عن الاستنجاء بعلف الدواب ، فالنهي عن الاستنجاء بها أولى ، ولا يجوز الاستنجاء بهذه الأشياء ؛ لأن الاستنجاء رخصة ، فلا يباح بمحرم ، كالقصر في سفر المعصية ، وقد روى الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى أن يستنجى بروث أو عظم ، وقال : إنهما لا يطهران " ، وقال : إسناد صحيح ، فإن استنجى بها فهل يجزئه إعادة الاستنجاء أو يتعين الماء على وجهين .

فإن قيل : قد نهي عن الاستنجاء باليمين ، وقد قلتم : يجزئ قلنا : اليد ليست شرطا في الاستنجاء ، وإنما جاءت ؛ لأنه لا يمكنه الاستنجاء بغيرها حتى لو استغنى عنها بأن يقعد في ماء جار حتى ينقى المحل حصلت الطهارة ، وكذلك لو استنجى بيد أجنبي فقد أثم وأجزأه ، وأما المستنجى به فهو شرط في الاستنجاء كالماء في الطهارة ، والتراب في التيمم ، فإن كان محرما لعينه كان كالوضوء بالماء النجس ، وإن كان لحق الغير كان كالمتوضئ بالماء المغصوب أو أشد ؛ لأنه رخصة .

التالي السابق


الخدمات العلمية