صفحة جزء
مسألة :

" من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن وإلى أصول الأذنين " .

لأن الرأس ما عليه الشعر ، وهو المشروع مسحه ، فما دون المنابت هو من الوجه ، وهذا معتبر بغالب الناس ، فأما الأقرع الذي ينبت الشعر في بعض جبهتيه أو الأجلح الذي انحسر الشعر عن مقدم رأسه فلا عبرة بهما بل يجب على الأقرع غسل الشعر النابت على الوجه ، وغسل ما تحته إن كان يصف البشرة ، وقوله إلى ما انحدر من اللحيين والذقن ، فاللحيان هما العظمان اللذان في أسفل الوجه قد اكتنفاه وعليهما تثبت أكثر اللحية .

والذقن مجتمع اللحيين ، فيجب غسل البشرة إن كانت ظاهرة ، وغسل ما عليها من الشعر وما استرسل من اللحية عن اللحيين والذقن وعنه لا يجب غسل ما خرج عن محاذاة البشرة طولا وعرضا كما لا يجب مسح ما [ ص: 183 ] استرسل من الرأس ؛ ولأن الفرض كان على البشرة قبل النبات فلما نبت الشعر انتقل الفرض إليه فما لم يحاذ البشرة لم ينتقل إليه شيء ، والصحيح الأول ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من عبد يغسل وجهه كما أمره الله تعالى إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء " ؛ ولأنه ثابت في المحل المغسول فتبعه ، وإن طال كالظفر إذا خرج عن حد الأصبع .

ولأن اللحية تشارك الوجه في معنى التوجه والمواجهة والوجاهة ، بخلاف الذوائب فإنها لا تشارك الرأس في الترأس والارتفاع ، ولذلك كان غسل اللحية مشروعا ومسح الذوائب مكروها ، وقد ذكر أصحابنا وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد غطى لحيته في الصلاة فقال : " اكشف عن وجهك فإن اللحية من الوجه " . وقوله من الأذن إلى الأذن يعني به من وتد الأذن أصلها دون فرعها فلم تدخل الأذنان في الوجه ، فأما البياض بين الأذنين والعذار فمن الوجه .

قال الأصمعي والمفضل بن سلمة ما جاوز وتد الأذن من العارض والعارضان من الوجه ؛ ولأنه قبل نبات الشعر كان يجب غسله إجماعا وكذلك بعده ؛ ولأن فيه معنى التوجه والمواجهة والوجاهة ؛ ولأن حكم الموضحة يثبت في [ ص: 184 ] عظمه ، وهي لا تثبت إلا في رأس أو وجه ، وليس من الرأس فيكون من الوجه . فأما الشعور النابتة في الوجه ؛ فإن كانت تصف البشرة وجب غسلها ، وغسل ما تحتها كما كان يجب قبل نبات الشعر ; لأنه ما دام يظهر فهو ظاهر لا يشق إيصال الماء إليه . وإن لم تصف البشرة لم يجب إلا غسل ظاهرها فقط سواء في ذلك شعر الحاجبين والشاربين والعنفقة والعذار واللحية ، هذا هو المنصوص ؛ لأنه يشق إيصال الماء إليها ؛ ولأنه لم ينقل عنه أنه غسل باطن اللحية ، قال أحمد : وقد سئل أيما أعجب إليك ، غسل اللحية أو تخليلها ، فقال : " غسلها ليس من السنة " وقيل يجب غسل باطن ما سوى اللحية ، وكذلك لحية المرأة ؛ وإن كان كثيفا ؛ لأن إيصال الماء لا يشق غالبا ، والصحيح الأول ؛ لأن الفرض بعد الستر انتقل إلى الظاهر ؛ ولأن في إيجاب غسل باطنها مشقة وتطريقا للوسواس كاللحية ، والذي يدخل في الوجه من الشعور الحاجبان وأهداب العينين والشاربان والعنفقة والعذار والعارضان .

والعذار : هو الشعر النابت على العظم النابي محاذيا صماخ الأذن مرتفعا إلى الصدغ ومنحطا إلى العارض ، والعارض : هو النابت على اللحيين إلى الذقن ، وقال الأصمعي : ما جاوز وتد الأذن فهو عارض ، فأما التحذيف والصدغ والتحذيف : هو ما ارتفع عن العذار آخذا إلى طرف اللحيين ، والنزعة ما انحسر عنه الشعر من الرأس متصاعدا . والصدغ هو ما ارتفع من العذار إلى فوق مشيا إلى فرع الأذن ودونه قليلا ، وهو يظهر في حق الغلام قبل نبات لحيته ففيها ثلاثة أوجه : أحدها : يجب غسلهما ؛ لأنهما داخلان في تدوير الوجه فدخلا في حده ، وإن كان شعرهما متصلا بشعر الرأس كما أن [ ص: 185 ] النزعتين لما دخلا في حد الرأس كانتا منه وإن خليا من الشعر ، والثاني : لا يجب ؛ لأن هذا الشعر متصل بشعر الرأس ابتداء ، فكأنه منه كسائره . والثالث : يجب غسل التحذيف خاصة ؛ لأنه يعتاد أخذه دون أخذ الصدغ ؛ ولأن محله يجب غسله لو لم يكن عليه شعر ؛ فكذلك إذا كان عليه ، ويستحب غسل داخل العين إذا أمن الضرر في أحد الوجهين ; لأن ابن عمر كان يفعله ، ولا يستحب في الآخر وهو أشبه ؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولأنه مظنة تخوف الضرر في الجملة مع تكرار الوضوء .

التالي السابق


الخدمات العلمية