صفحة جزء
[ ص: 260 ] مسألة

" ومن مسح مسافرا ثم أقام أو مقيما ثم سافر أتم مسح مقيم "

أما إذا مسح بعض المدة وهو مسافر ثم أقام أتم على مسح يوم وليلة إلا أن يكون قد مسحهما قبل إقامته فيخلع، وهذا بلا تردد، وأما إذا مسح بعض المدة مقيما ثم سافر ففيها روايتان إحداهما : يتم مسح مسافر اختاره الخلال وصاحبه أبو بكر؛ لأنه سافر في أثناء المدة فأشبه ما لو أحدث ، ولو لم يمسح حتى سافر فإنه يمسح تمام ثلاثة أيام ولياليهن وإن كان ابتدأهن من حين الحدث الموجود في الحضر؛ ولأن المسحات عبادات لا يرتبط بعضها ببعض ، ولا يفسد أولها بفساد آخرها ، فاعتبر كل مسح بالحال الحاضرة كالصلوات والصيام بخلاف الصلاة الواحدة ، والأخرى يتم مسح مقيم كما ذكره الشيخ وهو اختيار الخرقي والقاضي وأكثر أصحابنا ؛ لأن المسح عبادة يختلف قدرها بالحضر والسفر فإذا وجد أحد طرفيها في الحضر غلب حكمه كالصلاة ، وهذا لأن المسحات وإن كن عبادات لا يرتبط بعضها ببعض لكن وقتها وقت واحد بعضه مرتبط ببعض، ولا بد من بناء أحد طرفيه على الآخر فإذا وقع بعض المدة في الحضر وجوزنا أن يتم مسح ثلاث لكان قد وقع مسح الثلاث في الإقامة والسفر وهو خلاف الحديث ، وهذا أشبه بالصلاة الواحدة من الصلوات؛ لأن تلك لا يرتبط بعضها ببعض في الوقت ولا في الفعل ولو جعلت كالعبادات لكان القياس أن يعطى كل بحسابه ، فإذا مسح ثلث يوم في الحضر فقد مسح ثلث مدته فيمسح في السفر ثلثي مدته وهي يومان وليلتان، وهذا مع أنه لا يقال : لا يصح ؛ لأن من شأن العبادات وأوقاتها المتعلقة بالسفر والحضر أن يتعلق بأحدهما لا بهما؛ ولأنه يفضي إلى جعل مدة ثالثة غير الواحد والثلاثة وهو خلاف السنة ، وأما إذا أحدث في [ ص: 261 ] الحضر ولم يمسح حتى سافر فإنما أبحنا له أن يمسح مسح مسافر، وإن كان أولها في الحضر؛ لأن العبادة لم يفعل شيء منها ولا وجبت في الحضر، وإنما وجد وقت جوازها ، فأشبه ما لو دخل وقت الصلاة على صبي مقيم فبلغ في الوقت بعد سفره؛ ولأن المسح جميعه إذا وقع في السفر تحقق في حقه جميع مشقة السفر بخلاف ما إذا وجد بعضه فإنما يثبت في حقه بعض المشقة ، والله أعلم .

وإذا شك في أول مدة المسح بني على الأصل وهو وجوب غسل الرجلين فلو شك المسافر هل ابتدأ المسح في الحضر أو السفر بنى على مسح حاضر؛ لأن مدته على اليقين ، كما لو شك المقيم هل ابتدأ المدة في الحضر أو السفر فلو مسح بعد يوم وليلة ثم ذكر أنه أنشأ المسح في السفر أعاد تلك الصلاة كما لو صلى إلى بعض الجهات بغير اجتهاد لم يتبين أنها جهة القبلة ، أو صلى قريب الزوال بغير اجتهاد لم يتبين أنه بعد الزوال ، هذا هو المشهور ، وإن قلنا: إن المسافر إذا مسح في الحضر ثم سافر بنى على مسح مسافر فكذلك هنا؛ لأن مسحه على التقديرين لكنه يحسب المدة من حين احتمال المسح في الحضر أو من حين احتمال المسح على اختلاف الروايتين ، وكذلك كل طاهر لبس خفيه ثم شك في الحدث فإنه يبني حكم المدة على أول أوقات الشك، ويبني بتلك الطهارة التي لبس عليها، وشك في زوالها على الصحة أخذا باليقين في كل واحد من الحكمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية