صفحة جزء
[ ص: 290 ] باب نواقض الوضوء

وهي سبعة : ( الخارج من السبيلين ) مع كل حال يعني : سواء كان نادرا أو معتادا قليلا أو كثيرا نجسا أو طاهرا ، أما المعتاد فلقوله تعالى : ( أو جاء أحد منكم من الغائط ) ولقوله عليه الصلاة والسلام في حديث صفوان : ( ولكن من غائط وبول ونوم ) وقوله في الذي يخيل إليه الشيء في الصلاة ( لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ) أو كحديث علي في المذي .

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) فقال رجل من أهل حضرموت : ما الحدث يا أبا هريرة ، فقال : " فساء أو ضراط " متفق عليه .

أما النادر فكالدود والحصى ودم الاستحاضة وسلس البول والمذي فينقض أيضا ، لما روي عن علي - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( في المذي الوضوء وفي المني الغسل ) رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن صحيح .

[ ص: 291 ] ولم يفرق بين دائمه ومنقطعه ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إني امرأة أستحاض فلا أطهر ، أفأدع الصلاة قال : ( لا ، إنما ذاك دم عرق ، وليست بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وتوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت ) رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

وهذه الزيادة قد رويت من قول عروة ، ولعله أفتى بها مرة وحدث بها أخرى ، ولعلها كانت عنده عن فاطمة نفسها لا عن عائشة ، فقد روي عن عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف ، فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة ، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو دم عرق " ) رواه أبو داود والنسائي .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني امرأة أستحاض فلا أطهر ، أفأدع الصلاة ؟

[ ص: 292 ] فقال : ( لا ، اجتنبي الصلاة أيام محيضك ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة ثم صلي وإن قطر الدم على الحصير )
رواه أحمد وابن ماجه .

وعن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة وتصوم وتصلي ) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي ، وقال : حديث حسن ، ولأنه خارج من السبيل فنقض كالمعتاد ، وأما الطاهر فينقض أيضا في ظاهر المذهب ، كالمني والريح الخارجة من الدبر أو من [ ص: 293 ] قبل المرأة وقبل الرجل في المنصوص المشهور من الوجهين ، قال أبو بكر : لا يختلف قول أبي عبد الله " أن الرجل والمرأة إذا خرجت الريح من قبلهما أنهما يتوضآن " وقال القاضي أبو الحسين " قياس مذهبنا أن الريح تنقض من قبل المرأة دون الرجل " لأن الصائم إذا قطر في إحليله لم يفطر لأنه ليس من الذكر إلى الجوف منفذ بخلاف قبل المرأة .

وريح الدبر إنما نقضت لأنها تستصحب بخروجها أجزاء لطيفة من النجاسة ، بدليل نتنها فإن الرائحة صفة لا تقوم إلا بأجزاء من الجسم وكذلك ريح قبل المرأة بدليل نتنها ، وربما عللوا ذلك بأن هذا لا يدرك فتعليق النقض به محال ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي يخيل إليه الشيء وهو في الصلاة ( لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ) وهذه الريح لا تسمع ولا تشم وإنما تعلم بأن يحس الإنسان في ذكره بدبيب يعتقده قطرة بول فإذا انتهى إلى طرف الذكر فلم يجد له ( أثرا ) علم أنها الريح ، ويلتزم من قال هذا بنجاسة المني ، وإن الريح تنجس الماء اليسير حيث لم ينقض الطهارة بشيء طاهر ويعتذر عن المني بأنه يوجب الطهارة الكبرى ، فلا يدخل في نواقض الوضوء ، إلا أن هذا لا يصح فإن مني الرجل إذا خرج من فرج المرأة بعد اغتسالها أو خرجت من الرجل بقية المني وجب الوضوء دون الغسل .

والصحيح الأول ؛ لأنه خارج من السبيل فنقض ، كريح الدبر فإنها طاهرة ، واكتسابها ريح النجاسة لا يضر فإن الريح قد تكتسب من انفصال أجزاء كالحشا المتغيرة والماء بجيفة على جانبه ، ولو فرضنا انفصال أجزاء من النجاسة فإنما خالطت أجزاء هوائية وذلك لا يوجب التنجس كما تقدم ، وقولهم : الريح الخبيثة إنما خرجت مستصحبة لأجزاء من النجاسة ، قلنا : بل نادت الرائحة إلى الهواء الخارج من غير أجزاء ، كما تنادي الحرارة إلى الماء من غير أجزاء من النار .

[ ص: 294 ] والفقه في ذلك أن السبيل هو مظنة خروج النجاسة غالبا فعلق الحكم بهذه المظنة ، وإن علقناه بنفس خروج النجاسة أيضا ، وإذا قطر في إحليله دهنا ثم سال ، أو احتشى في قبله أو دبره قطنا ثم خرج منه شيء لا بلة معه ، أو كان في وسط القطن ميل فسقط بلا بلة ، نقض في أشهر الوجوه لأنه خارج من السبيل .

والثاني : لا ينقض ؛ لأنه خارج طاهر وجريان الطاهر في مجرى النجس الباطن لا ينجسه كجريان النجاسة في مجرى القيء ومني المرأة في مجرى دمها .

والثالث : ينقض الدهن ؛ لأنه لا يخلو من بلة نجسة تصحبه بخلاف القطن والميل فأما إن تحقق خروج شيء من بلة الباطن نقض قولا واحدا ، وكذلك إن احتقن فخرج شيء من الحقنة أو وطئ الرجل المرأة فدب ماؤه فدخل في فرجها ثم خرج ؛ لأن هذا دخل الجوف فحكم بتنجيسه .

وكذلك لو أدخل الميل ثم أخرجه ، ولو لم يخرج شيء من الحقنة وماء الرجل لم ينقض ، كما لو لم يخرج الميل ، وقيل ينقض لأنه في الغالب لا بد أن يتراجع منه أجزاء يسيرة فينقض بوجود المظنة ، كالنوم ولو استرخت مقعدته فظهرت وعليها بلة لم تنفصل عنها ثم عادت نقض في أشبه الوجهين بكلامه ؛ لأنها نجاسة ظهرت إلى ظاهر البدن فأشبهت المتصلة .

والثاني : لا تنقض لأنها لم تفارق محلها من الباطن فأشبهت ما لم تظهر ، وكذلك لا يحب الاستنجاء منها ، وكما لو أخرج الصائم لسانه ثم أدخله وعليه ريقه فابتلعه لم يفطر لأنه لم ينفصل .

التالي السابق


الخدمات العلمية