صفحة جزء
قال المصنف : رحمه الله تعالى ( ولا يجوز أن يصلي بتيمم واحد أكثر من فريضة ، وقال المزني : يجوز ، وهذا خطأ لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : { من السنة ألا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة ثم يتيمم للصلاة الأخرى } وهذا مقتضى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنها طهارة ضرورة ، فلا يصلي بها فريضتين من فرائض الأعيان ، كطهارة المستحاضة ) .


( الشرح ) مذهبنا أنه لا يجوز الجمع بين فريضتين بتيمم سواء كانتا في وقت أو وقتين قضاء أو أداء ، ولا بين طوافين مفروضين ولا طواف وصلاة [ ص: 339 ] مفروضين ، ويتصور هذا في الجريح والمريض ، وسواء في هذا الصحيح والمريض والصبي والبالغ ، وهذا كله متفق عليه إلا وجها حكاه الرافعي عن حكاية الحناطي : أنه يجوز الجمع بين فوائت بتيمم وبين فائتة ومؤداة ، وإلا وجها حكاه الدارمي أن للمريض جمع فريضتين بتيمم ، وإلا وجها حكاه صاحب البحر والرافعي أنه يصح جمع الصبي فريضتين بتيمم ، وهذه الأوجه شاذة ضعيفة والمشهور ما سبق . ولو جمع منذورتين ، أو منذورات بتيمم أو منذورة ومكتوبة أو منذورات . قال القاضي أبو الطيب والمحاملي وابن الصباغ وآخرون من العراقيين : لا يجوز قطعا ; لأن المنذورة واجبة متعينة فأشبهت المكتوبة ، وقال الخراسانيون والماوردي والدارمي من العراقيين : في جوازه وجهان أصحهما عند الجميع : لا يجوز . وبعضهم يقول : قولان . قال الخراسانيون : هما مبنيان على أن النذر يسلك به مسلك أقل واجب الشرع ؟ أم أقل ما يتقرب به ؟ وفيه قولان . فإن قلنا بالثاني جاز كالنافلة وإلا فلا كالمكتوبة ، وأما ركعتا الطواف ، فإن قلنا بالصحيح : إنهما سنة فلهما حكم النوافل ، فيجوز الجمع بينهما وبين مكتوبة بتيمم ، وإن قلنا : إنهما واجبتان لم يجز الجمع بينهما وبين فريضة أخرى ، وهل يجوز بينهما وبين الطواف ؟ فيه طريقان .

( أحدهما ) : لا ; لأنهما فرضان ، يفتقر كل واحد منهما إلى نية ( والطريق الثاني ) وبه قطع إمام الحرمين البغوي والرافعي : أنهما على وجهين أصحهما : لا يجوز ، ( والثاني ) : يجوز ، وهو قول ابن سريج وبه قطع صاحبا الحاوي والتتمة ; لأنها تابعة للطواف ، فهي كجزء منه وهذا ضعيف ; لأنها لو كانت كالجزء لم يجز الفصل بينها وبين الطواف وقد اتفقوا على أنه لو أخر ركعتي الطواف عنه سنين ، ثم صلاهما جاز والله أعلم .

ولو صلى فريضة بتيمم ثم طاف به تطوعا جاز ، فلو أراد أن يصلي به ركعتي هذا الطواف فهو على الطريقتين إن قلنا بالوجه الضعيف : إن ركعتي طواف التطوع واجبة لم يجز ، وإن قلنا بالمذهب : إنها سنة جاز قطعا . قال البغوي وغيره : وفي جواز الجمع بين خطبة الجمعة وصلاتها وجهان كالطواف ; لأنها تابعة للصلاة ، هذا إذا شرطنا الطهارة في خطبة الجمعة ، وهو الأصح والله أعلم . [ ص: 340 ]

( فرع ) في مذاهب العلماء فيما يباح بالتيمم الواحد من فرائض الأعيان . مذهبنا : أنه لا يباح إلا فريضة واحدة ، وبه قال أكثر العلماء . وحكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن العباس وابن عمر والشعبي والنخعي وقتادة وربيعة ويحيى الأنصاري ومالك والليث وأحمد وإسحاق .

وحكي عن ابن المسيب والحسن والزهري وأبي حنيفة ويزيد بن هارون أنه يصلي به فرائض ما لم يحدث ، قال : وروي هذا أيضا عن ابن عباس وأبي جعفر ، وقال أبو ثور : يجوز أن يجمع فوائت بتيمم ولا يصلي به بعد خروج الوقت فريضة أخرى هذا ما حكاه ابن المنذر . وقال المزني وداود : يجوز فرائض بتيمم واحد كما قال أبو حنيفة وموافقوه ، قال الروياني في الحلية : وهو الاختيار وهو الأشهر من مذهب أحمد خلاف ما نقله عنه ابن المنذر ، واحتج لمن جوز فرائض بتيمم واحد ، بقوله صلى الله عليه وسلم : { الصعيد الطيب وضوء المسلم ما لم يجد الماء } وهو حديث صحيح سبق بيانه ، وبالقياس على الوضوء وعلى الجمع بين نوافل بتيمم وعلى مسح الخف ; ولأن الحدث الواحد لا يجب له طهران . واحتج أصحابنا بقوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } إلى قوله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } فاقتضى وجوب الطهارة عند كل صلاة ، فدلت السنة على جواز صلوات بوضوء فبقي التيمم على مقتضاه ، واحتجوا بحديث ابن عباس المذكور في الكتاب ، ولكنه ضعيف رواه الدارقطني والبيهقي وضعفاه ; فإنه من رواية الحسن بن عمارة ، وهو ضعيف ، واحتج البيهقي بما رواه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث " . قال البيهقي : إسناده صحيح قال : وروي عن علي وابن عباس وعمرو بن العاص ، ولأنهما مكتوبتان فلا تباحان بطهارة ضرورة كصلاتي وقتين في حق المستحاضة ; ولأنها طهارة ضرورة فلا يباح بها إلا قدر الضرورة . والجواب عن احتجاجهم بالحديث : أن معناه يستبيح بالتيمم صلاة بعد صلاة بتيممات ، وإن استمر ذلك عشر سنين حتى يجد الماء .

هذا معناه عند [ ص: 341 ] جميع العلماء ، وعن قياسهم على الوضوء : أنه طهارة رفاهية يرفع الحدث ، والتيمم طهارة ضرورة فقصرت على الضرورة . وعن النوافل أنها تكثر ويلحق المشقة الشديدة في إعادة التيمم لها فخفف أمرها لذلك ، كما خفف بترك القيام فيها مع القدرة وبترك القبلة في السفر ، ولا مشقة في الفرائض ، ولهذا المعنى فرق الشرع بين قضاء الصوم والصلاة في الحائض ، وعن مسح الخف بأنه طهارة قوية ، يرفع الحدث عن معظم الأعضاء بالاتفاق ، وكذا عن الرجل على الأصح ، والتيمم بخلافه ، ولأن مسح الخف تخفيف ولهذا يجوز مع إمكان غسل الرجل ، والتيمم ضرورة لا يباح إلا عند العجز ، فقصر على الضرورة ، وعن قولهم : الحدث الواحد لا يوجب طهارتين أن الطهارة هنا ليست للحدث بل لإباحة الصلاة ، فالتيمم الأول أباح الصلاة الأولى والثاني الثانية والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية