صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( إن نسي صلاة من صلوات اليوم والليلة ، ولا يعرف عينها ، قضى خمس صلوات ، وفي التيمم وجهان . ( أحدهما : ) يكفيه تيمم واحد ; لأن المنسية واحدة وما سواها ليس بفرض ، ( والثاني ) : يجب لكل واحدة تيمم ; لأنه صار كل واحدة منها فرضا . وإن نسي صلاتين من صلوات اليوم والليلة لزمه خمس صلوات . قال ابن القاص : يجب أن يتيمم لكل واحدة منها ; لأنه أي صلاة بدأ بها يجوز أن تكون هي المنسية فزال بفعلها حكم التيمم ، ويجوز أن تكون الفائتة هي التي تليها ، فلا يجوز أداؤها بتيمم مشكوك فيه . ومن أصحابنا من قال : يجوز أن يصلي ثماني صلوات بتيممين ، فيزيد ثلاث صلوات وينقص ثلاث تيممات فيتيمم ويصلي الصبح والظهر والعصر والمغرب ، ثم يتيمم ويصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء فيكون قد صلى إحداهما بالتيمم الأول ، والثانية بالثاني .

وإن نسي صلاتين من يومين ، فإن كانتا مختلفتين فهما بمنزلة الصلاتين من يوم وليلة ، وإن كانتا متفقتين لزمه أن يصلي عشر صلوات فيصلي خمس صلوات بتيمم ، ثم يتيمم ويصلي خمس صلوات ، وإن شك هل هما متفقتان ؟ أو مختلفتان ؟ لزمه أن يأخذ بالأشد وهو أنهما متفقتان ) .


( الشرح ) إذا نسي صلاة من صلوات يوم وليلة لا يعرف عينها لزمه أن يصلي الخمس ، فإن أراد أن يصليها بالتيمم فوجهان مشهوران ، وقد ذكرهما [ ص: 342 ] المصنف بدليلهما .

( أحدهما ) : يجب لكل واحدة تيمم وهو قول ابن سريج والخضري ، واختاره القفال ، فعلى هذا قال البندنيجي : يجب لكل واحدة طلب الماء ثم التيمم ، ( والثاني ) : يكفيه تيمم واحد لكلهن وهو الصحيح ، وبه قال ابن القاص وابن الحداد وجمهور أصحابنا المتقدمين ، وصححه المصنفون ، ونقله الغزالي في البسيط عن عامة أصحابنا ، ثم قال أبو الحسن بن المرزبان والشيخ أبو علي السنجي : هذا الخلاف مفرع على المذهب وهو أنه لا يشترط تعيين الفريضة في نية التيمم .

فإن قلنا بالوجه الضعيف : إنه يشترط تعيين الفريضة وجب لكل صلاة تيمم بلا خلاف ، واختار الدارمي أن الخلاف جار هنا ، سواء شرطنا التعيين أم لا ، وأشار الرافعي إلى ترجيح هذا وهو الأصح ، أما إذا نسي صلاتين من يوم وليلة فإن قلنا في الواحدة : يلزمه خمس تيممات فهنا أولى ، وإن قلنا بالمذهب : إنه يكفيه تيمم فهو هنا مخير إن شاء عمل بطريقة ابن القاص صاحب التلخيص وهي : أن يتيمم لكل صلاة من الخمس ، وإن شاء عمل بطريقة ابن الحداد وهي : أن يصلي ثماني صلوات بتيممين فيصلي بالأول الصبح والظهر والعصر والمغرب ، وبالثاني الظهر والعصر والمغرب والعشاء فيخرج عما عليه بيقين ; لأنه صلى الظهر والعصر والمغرب مرتين ، فإن كانت الفائتتان في هذه الثلاث فقد تأدت كل واحدة بتيمم ، وإن كانتا الصبح والعشاء حصلت الصبح بالأول والعشاء بالثاني ، وإن كانت إحداهما في الثلاث والأخرى صبحا أو عشاء فكذلك . هكذا صرح الأصحاب بأنه مخير بين طريقتي ابن القاص وابن الحداد ، وحكى الرافعي وجها شاذا : أنه يتيمم مرتين يصلي بكل تيمم الخمس ، وهذا ليس بشيء ، ثم المشهور والمستحسن عند الأصحاب طريقة ابن الحداد ، وعليها يفرعون ولها ضابطان .

( أحدهما ) : وهو الذي نقله صاحب البيان أن يضرب عدد المنسي في عدد المنسي منه ثم يزيد المنسى على ما حصل من الضرب ويحفظ مبلغ المجتمع ثم يضرب المنسى في نفسه ، فما بلغ نزعه من الجملة المحفوظة ، فما بقي فهو عدد ما يصلي .

وأما عدد التيمم فيقدر المنسى ، مثاله في مسألتنا : تضرب اثنتين في خمسة ، ثم تزيد عدد المنسية فيجتمع اثنا عشر ، ثم تضرب اثنتين في اثنتين ، [ ص: 343 ] فذلك أربعة ، فتنزعها من الاثني عشر تبقى ثمانية . وهو عدد ما يصلي . ويكون بتيممين على عدد المنسيتين .

( الضابط الثاني ) وهو الذي نقله الرافعي تزيد عدد المنسي منه عددا لا ينقص عما بقي من المنسي منه بعد إسقاط المنسي ، وتقسم المجموع صحيحا على المنسي ، مثاله في مسألتنا : المنسى صلاتان ، والمنسي منه خمس تزيد عليه ثلاثة ; لأنها لا تنقص عما بقي من الخمسة بعد إسقاط الاثنين ، والمجموع وهو ثمانية تنقسم على الاثنين صحيحا .

وأما كيفية أداء الصلوات فابتدئ من المنسي منه بأي صلاة شاء ، ويصلي بكل تيمم مما تقتضيه القسمة ، لكن شرط براءة ذمته بالعدد المذكور أن يترك في المرة ما بدأ به في المرة التي قبلها ، ويأتي بالعدد الذي تقتضيه القسمة . مثاله ما سبق ، فإنه ترك في المرة الثانية الصبح التي بدأ بها في الأولى ، ولو صلى بالتيمم الأول الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، وبالثاني الصبح والظهر والعصر والمغرب لم يجزه ، لاحتمال أن المنسيتين العشاء مع الظهر أو مع العصر أو مع المغرب ، فبالتيمم الأول حصلت تلك ولم تحصل العشاء ، وبالتيمم الثاني لم يصل العشاء ، فإن صلى العشاء بعد هذا بالتيمم الثاني أو غيره أجزأه . ولو بدأ فصلى بالتيمم الأول العشاء والمغرب والعصر والظهر وبالثاني المغرب والعصر والظهر والصبح أجزأه ; لأنه وفى بالشرط ، ولو صلى بالأول المغرب والعصر والظهر والصبح ، وبالثاني العشاء والمغرب والعصر والظهر ، لم يجزئه إلا أن يصلي الصبح أيضا بالتيمم الثاني أو بغيره ، ولو خالف الترتيب ووفى بالشرط فصلى بالأول الصبح ثم المغرب ثم العصر ثم الظهر ، وبالثاني العشاء ثم الظهر ثم المغرب ثم العصر أجزأه لحصول المقصود .

هذا كله إذا كان المنسى صلاتين ، أما إذا نسي ثلاث صلوات من يوم وليلة ولا يعرف عينهن ، فعلى طريقة ابن القاص يصلي خمس صلوات كل صلاة بتيمم وعلى الوجه الشاذ الذي حكاه الرافعي : يتيمم ثلاث مرات يصلي بكل تيمم الخمس ، وعلى طريقة ابن الحداد يقتصر على ثلاث تيممات ويصلي تسع صلوات ، فعلى عبارة البيان يضرب ثلاثة في خمسة فذلك خمسة عشر ، ثم يزيد عليه ثلاثة تكون ثمانية عشر ، ثم تضرب ثلاثة في ثلاثة تكون تسعة ، فتنزعها من ثمانية عشر [ ص: 344 ] تبقي تسعة ، وهو عدد ما يصلي بثلاثة تيممات ، فيصلي بالتيمم الأول الصبح والظهر والعصر ، وبالثاني الظهر والعصر والمغرب ، وبالثالث العصر والمغرب والعشاء . وعلى عبارة الرافعي يضم إلى الخمس أربعا ; لأن الأربعة لا تنقص عما بقي من الخمسة بعد إسقاط الثلاثة ، بل يزيد عليه ، وينقسم المجموع وهو تسعة صحيحا على الثلاثة ، ولو ضممنا إلى الخمسة اثنين أو ثلاثة لم ينقسم فيصلي بكل تيمم ثلاثا على ما ذكرنا ، وله أن يرتبها على غير الترتيب المذكور إذا وفى بالشرط السابق ، فإن أخل به بأن صلى بالتيمم الأول العصر ثم الظهر ثم الصبح ، وبالثاني المغرب ثم العصر وبالثالث العشاء ثم المغرب ثم العصر ، لم يجزئه ; لاحتمال أن التي عليه الصبح والعشاء ، وثالثتهما الظهر أو العصر ، فيحصل بالتيمم الأول الظهر أو العصر وبالثالث العشاء ، ويبقى الصبح عليه فيحتاج إلى تيمم رابع يصليها به . وأما إذا نسي أربع صلوات فيضرب أربعة في خمسة ثم يزيد عليه أربعة تبلغ أربعة وعشرين ، ثم يضرب أربعة في أربعة تبلغ ستة عشر ينزعها من أربعة وعشرين تبقى ثمانية ، وهو عدد ما يصلي بأربعة تيممات ، فيصلي بالتيمم الأول الصبح والظهر وبالثاني الظهر والعصر وبالثالث العصر والمغرب وبالرابع المغرب والعشاء ، ولا يخفى بعد ما سبق حكم تقديم بعض الصلوات على بعض وما يجوز منه وما لا يجوز . وعلى هذه التنزيلات ينزل ما زاد من عدد المنسي والمنسى منه .

هذا كله إذا كانت الصلاتان أو الصلوات مختلفات ، سواء كانت من يوم أو يومين بأن قال : نسيت صلاتين مختلفتين من يومين لا أدرى صبح وظهر أم ظهر وعصر أم عصر وعشاء ، وشبه ذلك . أما إذا نسي صلاتين متفقتين بأن قال : هما صبحان أو ظهران أو عصران أو مغربان أو عشاءان فيلزمه عشر صلوات ، هن صلوات يومين ، وفي التيمم الوجهان في أصل المسألة . قول ابن سريج والخضري : يلزمه لكل صلاة تيمم ، وقول الجمهور يكفيه تيممان يصلي بكل واحد الخمس ولا يكفيه ثمان صلوات بالاتفاق لاحتمال أن الذي عليه صبحان أو عشاءان ، وما أتى بهما إلا مرة ، أما إذا شك هل فائتتاه متفقتان أم مختلفتان ؟ فعليه الأغلظ الأحوط ، وهو أنهما متفقتان . [ ص: 345 ]

( فرع ) لو تيقن أنه ترك أحد أمرين : إما طواف فرض وإما صلاة فرض لزمه أن يأتي بالطواف وبالصلوات الخمس ، فعلى قول الجمهور يكفيه تيمم واحد للجميع ، وعلى قول ابن سريج والخضري يجب ستة تيممات .

( فرع ) إذا صلى فريضة منفردا بتيمم ثم أدرك جماعة يصلونها فأراد إعادتها بذلك التيمم فيبني على أن الفرض منهما ماذا ؟ وفيه أربعة أوجه . الأصح : الفرض الأولى ، والثاني : الثانية ، والثالث : كلاهما فرض ، والرابع : إحداهما لا بعينها .

فإن قلنا بالأولين جاز ، وإن قلنا بالثالث لم يجز . قاله القاضي حسين وغيره ، وإن قلنا بالرابع فهو على الوجهين في المنسية ، هكذا قال الأصحاب . قال إمام الحرمين : والاكتفاء هنا بتيمم واحد أولى ; فإنه لا يجب الشروع في الثانية بخلاف المنسية .

( فرع ) إذا صلى الفرض بالتيمم على وجه يجب قضاؤه ، كالمربوط على خشبة والمحبوس في موضع نجس ونحوه فأراد القضاء على وجه كامل بذلك التيمم ، فيبني على أن الفرض ماذا ؟ وفيه أربعة أقوال تقدمت قريبا ، أصحها : الفرض الثانية ، والثاني : الأولى ، والثالث : كلاهما ، والرابع : إحداهما لا بعينها . فإن قلنا : الفرض الأولى جاز ، وإن قلنا : كلاهما فرض لم يجز ، وإن قلنا : إحداهما لا بعينها فعلى الوجهين في المنسية ، وإن قلنا : الثانية فقال الرافعي وغيره لا يجوز وهذا ضعيف ، والمختار : أنه يجوز كما سبق في مثله في الفرع قبله ، ولا فرق بين تقدم نفل على فرض وعكسه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية