صفحة جزء
قال المصنف : رحمه الله تعالى ( ويجوز أن يصلي بتيمم واحد ما شاء من النوافل ; لأنها غير محصورة فخف أمرها ، ولهذا أجيز ترك القيام فيها ، فإن نوى بالتيمم الفريضة والنافلة جاز أن يصلي النافلة قبل الفريضة وبعدها ; لأنه نواهما بالتيمم ، وإن نوى بالتيمم الفريضة ولم ينو النافلة جاز أن يصلي النافلة بعدها . وهل يجوز أن يصليها قبلها ؟ فيه قولان . قال في الأم : له ذلك ; لأن كل طهارة جاز أن يتنفل بها بعد الفريضة جاز قبلها كالوضوء ، وقال في البويطي : ليس له ذلك ; لأنه يصليها على وجه التبع للفريضة ، فلا يجوز أن يتقدم على متبوعها ، ويجوز أن يصلي على جنائز بتيمم واحد إذا لم يتعين ; لأنه يجوز تركها فهي كالنوافل ، وإن تعينت عليه ففيه وجهان . ( أحدهما ) : لا يجوز أن يصلي بتيمم أكثر من صلاة ; لأنها [ ص: 346 ] فريضة تعينت عليه فهي كالمكتوبة ، ( والثاني ) : يجوز وهو ظاهر المذهب ; لأنها ليست من جنس فرائض الأعيان ) .


( الشرح ) هذا الفصل فيه ثلاث مسائل : ( إحداها ) : يجوز أن يصلي بالتيمم الواحد ما شاء من النوافل سواء تيمم للنفل فقط أم له وللفرض أم للفرض واستباح النفل تبعا ، وهذا متفق عليه إلا إذا قلنا - بوجه شاذ سبق في أوائل الباب - أن النفل لا يباح بالتيمم .

( المسألة الثانية ) : إذا تيمم للفرض والنفل أو للفرض وحده استباح الفرض واستباح النفل أيضا قبل الفريضة وبعدها في الوقت وبعد خروج الوقت ، وفي قول : لا يستبيح النفل قبل الفريضة إذا اقتصر على نية الفرض ، وفي وجه لا يستبيح النفل بعد خروج الوقت ، وقد سبق بيان هذا كله مشروحا مع ما يتعلق به في فصل نية التيمم .

( الثالثة ) : قال أصحابنا العراقيون : إذا لم يتعين عليه صلاة الجنازة فلها في التيمم حكم النوافل فيجمع بالتيمم الواحد بين صلوات جنائز كثيرة صلاة بعد صلاة ، وإن شاء صلى عليهن دفعة وله أن يجمع بين فريضة وجنائز ، وإن تعينت عليه فوجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما . أصحهما باتفاقهم : أنها كالنوافل وهو المنصوص للشافعي في كتبه المشهورة ، والثاني : كالفريضة فلا يجمع بينها وبين مكتوبة ، ولا بين صلاتي جنازة ، وهو قول أبي علي بن أبي هريرة وأبي سعيد الإصطخري .

وذكر الدارمي أن الكرابيسي نقله عن الشافعي فيكون قولا قديما ويصير في المسألة قولان ، قال العراقيون : ولا تصح صلاة الجنازة قاعدا مع القدرة على القيام ، سواء تعينت أم لا . وقال أصحابنا الخراسانيون : نص الشافعي رحمه الله أنه يجمع بين فريضة وجنائز بتيمم ، ونص أنها لا تصح على الراحلة ولا قاعدا ، واختلفوا على ثلاث طرق .

( أحدها ) : قولان أحدهما : يلحق بالفرائض في التيمم والقيام ، والثاني : يلحق بالنوافل فيهما .

( والطريق الثاني ) : إن تعينت فكالفرائض في التيمم والقيام وإلا فكالنوافل فيهما ، ( والثالث ) : تقرير النصين ، فلها حكم [ ص: 347 ] النفل في التيمم ، وإن تعينت ولا يجوز القعود فيها وإن لم يتعين ; لأنه معظم أركانها ، وهذا الثالث هو الصحيح عندهم ، وهو نحو طريقة العراقيين .

وجمع إمام الحرمين وغيره هذا بعبارة مختصرة فقالوا : فيها أوجه أحدها : يجوز الجمع بتيمم ، والقعود ، والثاني : لا ، والثالث : يجوز إن لم يتعين . وإن تعينت فلا ، والرابع وهو الأصح : يجوز الجمع بتيمم مطلقا ، ولا يجوز القعود مطلقا . ولو أراد أن يصلي على جنازتين أو جنائز صلاة واحدة بتيمم وقلنا : لا يجوز صلاتان فوجهان أشهرهما : لا يجوز ، وبه قطع ابن الصباغ والمتولي والروياني ، والثاني : يجوز ، واختاره الشاشي .

قال صاحب البحر وغيره : فعلى الأول لو تيمم بتيممين وصلى على الجنائز صلاتين أو صلاة واحدة لم يجز ; لأن التيمم على التيمم لا تأثير له ، بل هو في حكم تيمم واحد ، والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية