صفحة جزء
[ ص: 355 ] قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن كان معه في السفر ماء فدخل عليه وقت الصلاة فأراقه أو شربه من غير حاجة وتيمم وصلى ففيه وجهان . ( أحدهما ) : يلزمه إعادة ; لأنه مفرط في إتلافه ( والثاني ) : لا يلزمه ; لأنه تيمم وهو عادم للماء ، فصار كما لو أتلفه قبل دخول الوقت ) .


( الشرح ) قال أصحابنا : إذا كان معه ماء صالح لطهارته فأخرجه عن كونه مطهرا بإراقته أو شربه أو سقي دابة أو غيرها أو تنجيسه أو صب الزعفران ونحوه فيه أو غير ذلك ، ثم احتاج إلى التيمم تيمم بلا خلاف ; لأنه فاقد للماء ، ثم ينظر فإن كان تفويت الماء قبل دخول الوقت فلا إعادة عليه بلا خلاف وإن فوته سفها ; لأنه لا فرض عليه قبل الوقت . وقد أشار المصنف إلى هذا بقوله : ( كما لو أتلفه قبل دخول الوقت ) وإن فوته في الوقت ، فإن كان لغرض كشربه لحاجة أو سقيه دابة محترمة لحاجتها أو غسل ثوبه لنجاسة أو تنظفا ، فلا إعادة بلا خلاف ; لأنه معذور ، وكذا لو اشتبه إناءان فعجز عن معرفة الطاهر فأراقهما ، فلا إعادة قطعا ; لأنه معذور ، وإن كان التفويت في الوقت لغير غرض فهو حرام بلا خلاف ، وفي وجوب الإعادة وجهان مشهوران ، وقد ذكر المصنف دليلهما ، أصحهما عند الأصحاب : لا إعادة .

قال صاحب الشامل : وهذا كمن قطع رجله فإنه عاص وإذا صلى جالسا أجزأه ، قال القاضي حسين والمتولي : الوجهان هنا كالقولين فيمن فر ، فطلق امرأته بائنا في مرض الموت هل ينقطع إرثها ؟ لأن بدخول الوقت تعلق حق الطهارة بالماء كما أن بالمرض تعلق حقها بالإرث ، أما إذا مر بماء في الوقت فلم يتوضأ ، فلما بعد منه تيمم وصلى ففي الإعادة طريقان . أصحهما وأشهرهما ، والذي قطع به الغزالي والبغوي والأكثرون : القطع بأن لا إعادة ; لأنه تيمم وهو عادم للماء ولم يفرط في إتلافه ، والثاني : حكاه الرافعي عن الشيخ أبي محمد أنه على الوجهين ; لأنه يعد مقصرا والله أعلم

( فرع ) لو وهب الماء الصالح لطهارته في الوقت لغير محتاج إليه لعطش ونحوه أو باعه لغير حاجته إلى ثمنه ، ففي صحة البيع والهبة وجهان [ ص: 356 ] مشهوران في الطريقتين ، حكاهما الدارمي وجماعات من العراقيين وإمام الحرمين وجماعة من الخراسانيين . قال البغوي والرافعي وغيرهما : أصحهما لا يصح البيع ولا الهبة ; لأن التسليم حرام فهو عاجز عن تسليمه شرعا ، فهو كالعاجز حسا ، وبهذا قطع المحاملي والصيدلاني ، والثاني : يصحان . قال الإمام : وهو الأقيس ; لأنه ملكه والمنع لا يرجع إلى معنى في العقد ، واختار الشاشي هذا ، وقال : الأول ليس بشيء ; لأن توجه الفرض لا يمنع صحة الهبة ، كما لو وجب عليه عتق رقبة في كفارة فأعتقها لا عن الكفارة أو وهبها ، فإنه يصح ، وكما لو وجب عليه ديون فطولب بها فوهب ماله وسلمه ، فإنه يصح والأظهر ما قدمنا تصحيحه . قال إمام الحرمين والغزالي في البسيط : هذان الوجهان يشبهان ما لو وهب رجل للوالي شيئا تطوعا على طريق الرشوة هل يملكه ؟ منهم من منع الملك للمعصية ومنهم من لم يمنع وقال : هو أهل للتصرف ، فإن قلنا : يصح بيع الماء وهبته في مسألتنا فحكم الإعادة ما سبق في الإراقة لغير غرض ، كذا قاله الجمهور . وقطع البغوي بأنه لا إعادة ، والمذهب الأول . وإن قلنا : لا يصح البيع والهبة لم يصح تيممه ما دام الماء باقيا في يد الموهوب له والمشتري ، وعليه استرجاعه إن قدر ، فإن لم يقدر تيمم وصلى وعليه الإعادة على الصحيح ، وبه قطع الأصحاب ، ونقل إمام الحرمين فيه اتفاق الأصحاب . وشذ الدارمي فحكى في الإعادة الوجهين في الإراقة سفها وليس بشيء ; لأن الماء باق على ملكه وليس كالمغصوب ; لأن هذا مقصر بتسليمه ، فإن تلف في يد المشتري والموهوب له قبل التيمم ففي الإعادة الوجهان في الإراقة ، وإذا أوجبنا الإعادة في مسألة الإراقة وبيع الماء وهبته ففي قدر ما يعيده ثلاثة أوجه الصحيح المشهور : تجب إعادة الصلاة التي فوت الماء في وقتها ، ولا يجب غيرها ; لأن ما سواها فوت الماء قبل دخول وقتها فلم تجب إعادتها . والثاني : يجب إعادة ما يؤديه غالبا بوضوئه ، قال إمام الحرمين : هذا الوجه عندي في حكم الغفلة والغلط . والثالث : تجب إعادة كل ما صلاه بالتيمم إلى أن أحدث ، حكاه البغوي وغيره .

وهذا الوجه والذي قبله ليسا بشيء فإنه يلزم قائلهما أن يقول : من توضأ ثم أحدث من غير ضرورة وتيمم أعاد . قال المتولي وغيره : وإذا أراد الإعادة لم يصح في الوقت [ ص: 357 ] بالتيمم ، بل يؤخر حتى يجد الماء أو يصبر إلى حالة يصح فيها التيمم بلا إعادة .

( فرع ) قال القاضي حسين : ولو كان له ثوب فحرقه وصلى عريانا فحكمه ما ذكرناه في إراقة الماء من أوله إلى آخره .

( فرع ) قال أصحابنا : إذا قلنا : لا يصح هبة هذا الماء استرده الواهب ، فإن تلف في يد الموهوب له فلا ضمان عليه ; لأن الهبة ليست من عقود الضمان ، وما لا ضمان في صحيحه لا ضمان في فاسده ، كذا قطع به إمام الحرمين وأصحاب البحر والعدة والبيان وغيرهم . وانفرد القاضي حسين فقال : إن أتلفه الموهوب له ضمنه ، وإن تلف عنده فوجهان ، والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية