صفحة جزء
قال المصنف : رحمه الله تعالى ( ويحرم عليها الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم : { إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة } ويسقط فرضها لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : { كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقضي الصلاة ولا نؤمر بالقضاء } ; ولأن الحيض يكثر فلو أوجبنا قضاء ما يفوتها لشق وضاق ) .


( الشرح ) الحديثان المذكوران رواهما البخاري ومسلم من رواية عائشة ، رضي الله عنها فالأول روياه بلفظه وسبق بيانه وشرح الحيضة في باب ما يوجب الغسل ، وأما الثاني فروياه بمعناه ، ورواه أبو داود وغيره بلفظه هنا .

( وأما حكم المسألة ) فأجمعت الأمة : على أنه يحرم عليها الصلاة فرضها ونفلها وأجمعوا على أنه يسقط عنها فرض الصلاة فلا تقضي إذا طهرت . قال أبو جعفر بن جرير في كتابه اختلاف الفقهاء : أجمعوا على أن عليها اجتناب [ ص: 384 ] كل الصلوات فرضها ونفلها ، واجتناب جميع الصيام فرضه ونفله ، واجتناب الطواف فرضه ونفله ، وأنها إن صلت أو صامت أو طافت لم يجزها ذلك عن فرض كان عليها ، ونقل الترمذي وابن المنذر وابن جرير وآخرون الإجماع أنها لا تقضي الصلاة وتقضي الصوم . وفرق أصحابنا وغيرهم بين قضاء الصوم والصلاة بما ذكره المصنف : أن الصلاة تكثر فيشق قضاؤها بخلاف الصوم ، وبهذا الفرق فرقوا في حق المغمى عليه ، فإنه يلزمه قضاء الصوم ولا يلزمه قضاء الصلاة .

وأطبق الأصحاب على هذا الفرق في الحائض وقال إمام الحرمين : المتبع في الفرق الشرع وهو حديث عائشة رضي الله عنها قالت : { كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة } وأراد إمام الحرمين أنه لا يمكن فرق من جهة المعنى ، وقد نقل البخاري في صحيحه في كتاب الصوم عن أبي الزناد نحو قول إمام الحرمين فقال : قال أبو الزناد : ( إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيرا على خلاف الرأي ; فما يجد المسلمون بدا من اتباعها ، من ذلك الحائض تقضي الصوم دون الصلاة ) وهذا الذي قالاه اعتراف بالعجز عن الفرق ، والذي ذكره أصحابنا فرق حسن فليعتمد .

واستدل الشافعي رضي الله عنه على سقوط فرض الصلاة بدليل آخر ، فقال : وجدت كل مكلف مأمورا بفعل الصلاة على حسب حاله في المرض والمسايفة وغير ذلك ، والحائض مكلفة وهي غير مأمورة بها على حسب حالها ، فعلمت أنها غير واجبة عليها .

( فرع ) قال أصحابنا : وفي معنى الصلاة سجود التلاوة والشكر فيحرمان على الحائض والنفساء كما تحرم صلاة الجنازة ; ولأن الطهارة شرط .

( فرع ) قال أبو العباس بن القاص في التلخيص والجرجاني في المعاياة : كل صلاة تفوت في زمن الحيض لا تقضى إلا صلاة واحدة وهي ركعتا الطواف ، فإنها لا تتكرر .

وأنكر الشيخ أبو علي السنجي هذا وقال : هذا لا يسمى قضاء ; لأن الوجوب لم يكن في زمن الحيض ، ولو جاز أن [ ص: 385 ] يسمى هذا قضاء لجاز أن يسمى قضاء فائتة كانت قبل الحيض ، وهذا الذي قاله أبو علي هو الصواب ; لأن ركعتي الطواف لا يدخل وقتها إلا بالفراغ من الطواف فإن قدر أنها طافت ، ثم حاضت عقيب الفراغ من الطواف صح ما قاله أبو العباس إن سلم لهما ثبوت ركعتي الطواف في هذه الصورة ، والله أعلم

( فرع ) مذهبنا ومذهب جمهور العلماء من السلف والخلف : أنه ليس على الحائض وضوء ولا تسبيح ولا ذكر في أوقات الصلوات ولا في غيرها ، وممن قال بهذا الأوزاعي ومالك والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور حكاه عنهم ابن جرير ، وعن الحسن البصري قال : تطهر وتسبح ، وعن أبي جعفر قال لنا : " مر نساء الحيض أن يتوضأن في وقت الصلاة ، ويجلسن ويذكرن الله عز وجل ويسبحن " وهذا الذي قالاه محمول على الاستحباب عندهما ، فأما استحباب التسبيح فلا بأس به وإن كان لا أصل له على هذا الوجه المخصوص ، وأما الوضوء فلا يصح عندنا وعند الجمهور ، بل تأثم به إن قصدت العادة كما سبق ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية