صفحة جزء
قال المصنف : رحمه الله تعالى ( ويحرم الصوم لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : { كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة } فدل على أنهن كن يفطرن . ولا يسقط فرضه لحديث عائشة ; ولأن الصوم في السنة مرة ; فلا يشق قضاؤه ) .


( الشرح ) حديث عائشة رضي الله عنها رواه مسلم وغيره ، وفي رواية أبي داود والترمذي والنسائي : { كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمرنا بقضاء الصوم ولا يأمرنا بقضاء الصلاة } فإن قيل : ليس في الحديث دليل على تحريم الصوم ، وإنما فيه جواز الفطر ، وقد يكون الصوم جائزا لا واجبا كالمسافر ، قلنا : قد ثبت شدة اجتهاد الصحابيات رضي الله عنهن في العبادات . وحرصهن على الممكن منها ، فلو جاز الصوم لفعله بعضهن ، كما في القصر وغيره ، ويدل أيضا على تحريم الصوم قوله صلى الله عليه وسلم : { ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن ثم قال : وتمكث الليالي ما تصلي ، وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين } رواه [ ص: 386 ] البخاري ومسلم من رواية أبي سعيد الخدري ، وفي رواية للبخاري : { أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ } .

( أما حكم المسألة ) فأجمعت الأمة على تحريم الصوم على الحائض والنفساء ، وعلى أنه لا يصح صومها ، كما قدمنا نقله عن ابن جرير ، وكذا نقل الإجماع غيره ، قال إمام الحرمين : وكون الصوم لا يصح منها لا يدرك معناه ، فإن الطهارة ليست مشروطة فيها ، وأجمعت الأمة أيضا على وجوبقضاء صوم رمضان عليها ، نقل الإجماع فيه الترمذي وابن المنذر وابن جرير وأصحابنا وغيرهم .

والمذهب الصحيح الذي قطع به الجمهور أن القضاء يجب بأمر جديد وليست مخاطبة بالصوم في حال حيضها ; لأنه يحرم عليها الصوم ، فكيف تؤمر به ؟ وهي ممنوعة منه بسبب هي معذورة فيه ، ولا قدرة لها على إزالته ؟ وحكى القاضي حسين وإمام الحرمين والغزالي في البسيط والمتولي والروياني وغيرهم وجها : أنه يجب عليها الصوم في حال الحيض وتعذر في تأخيره ; لأنه لو لم يجب في الحال لم يجب القضاء كالصلاة . قال إمام الحرمين : المحققون يأبون هذا الوجه ; لأن الوجوب شرطه اقتران الإمكان به ، قال : ومن يطلب حقيقة الفقه لا يقيم لمثل هذا الخلاف وزنا ، قلت : وهذا الوجه يتخرج على قاعدة مذهبنا في الأصول ، والكلام أن تكليف ما لا يطاق جائز ، قال الغزالي في البسيط : ليس لهذا الخلاف فائدة فقهية قلت : تظهر فائدة هذا وشبهه في الأيمان وتعليق الطلاق والعتق ونحو ذلك بأن يقول : متى وجب عليك صوم فأنت طالق والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية