صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن كانت معتادة غير مميزة ، وهي التي كانت تحيض من كل شهر أياما ثم عبر الدم عادتها وعبر الخمسة عشر ولا تمييز لها ، فإنها لا تغتسل بمجاوزة الدم عادتها لجواز أن ينقطع الدم الخمسة عشر فإذا عبر الخمسة عشر ردت إلى عادتها فتغتسل بعد الخمسة عشر وتقضي صلاة ما زاد على عادتها ، لما روي أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتت لها أم سلمة رضي الله عنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " { لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتدع للصلاة قدر ذلك } " ) .


( الشرح ) حديث أم سلمة صحيح رواه مالك في الموطأ والشافعي وأحمد في مسنديهما وأبو داود والنسائي وابن ماجه في سننهم بأسانيد صحيحة على شرط البخاري ومسلم ، وقولها تهراق الدم بضم التاء وفتح الهاء أي : تصب الدم ، والدم منصوب على التشبيه بالمفعول به أو على التمييز على مذهب الكوفيين وقوله صلى الله عليه وسلم : " فلتدع " يجوز في هذه اللام وشبهها من لامات الأمر التي يتقدمها فاء أو واو ثلاثة أوجه كسرها وإسكانها وفتحها والفتح غريب .

( أما أحكام المسألة ) فإذا كان لها عادة دون خمسة عشر ، فرأت الدم وجاوز عادتها وجب عليها الإمساك كما تمسك عنه الحائض لاحتمال الانقطاع قبل مجاوزة خمسة عشر فيكون الجميع حيضا ولا خلاف في وجوب هذا الإمساك ، وقد سبق في المبتدأة وجه شاذ أنه لا يجب الإمساك ، واتفقوا أنه لا يجيء هنا ; لأن الأصل استمرار الحيض هنا ، ثم انقطع خمسة عشر يوما فما دونها فالجميع حيض . وإن جاوز خمسة عشر علمنا أنها مستحاضة فيجب [ ص: 441 ] عليها أن تغتسل . ثم إن كانت غير مميزة ردت إلى عادتها فيكون حيض أيام العادة في القدر والوقت وما عدا ذلك فهو طهر تقضي صلاته .

قال أصحابنا : ، وسواء كانت العادة أقل الحيض والطهر ، أو غالبهما أو بأقل الطهر وأكثر الحيض أو غير ذلك ، وسواء قصرت مدة الطهر ، أو طالت طولا متباعدا ، فترد في ذلك إلى ما اعتادته من الحيض والطهر ويكون ذلك دورها أي قدر كان ، فإن كان عادتها أن تحيض يوما وليلة وتطهر خمسة عشر ثم يعود الحيض في السابع عشر والطهر في الثامن عشر وهكذا فدورها ستة عشر يوما . وإن كانت تحيض خمسة وتطهر خمسة عشر فدورها عشرون . وإن كانت تحيض خمسة عشر وتطهر خمسة عشر فدورها ثلاثون وإن كانت تحيض يوما وتطهر تسعة وثمانين فدورها تسعون يوما ، وإن كانت تحيض يوما أو خمسة أو خمسة عشر وتطهر تمام سنة فدورها سنة . وكذا إن كانت تطهر تمام سنتين فدورها سنتان ، وكذا إن كانت تطهر تمام خمس سنين فدورها خمس سنين ، وكذا إن زاد . وهذا الذي ذكرناه من أن الدور قد يكون سنة أو سنتين أو خمس سنين أو أكثر وترد إليه هو الصحيح المشهور وبه قطع الجمهور ، وممن صرح به الشيخ أبو حامد في تعليقه والمحاملي في المجموع وصاحب التتمة وآخرون . وقال القفال : لا يجوز عندي أن يجعل الدور سنة ونحوها ، إذ يبعد الحكم بالطهر سنة أو نحوها مع جريان الدم . قال : فالوجه أن يجعل غاية الدور تسعين يوما الحيض منها ما يتفق والباقي طهر ; لأن الشرع جعل عدة الآيسة ثلاثة أشهر . هذا قول القفال وتابعه عليه إمام الحرمين والغزالي وصاحب العدة وآخرون من متأخري الخراسانيين ، فالمذهب ما قدمته عن الجمهور . وقال الرافعي : ظاهر المذهب أنه لا فرق بين أن تكون عادتها أن تحيض أياما من كل شهر أو من كل سنة وأكثر . قال : وهو الموافق لإطلاق الأكثرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية