صفحة جزء
قال المصنف : رحمه الله تعالى ( وتثبت العادة بمرة واحدة فإذا حاضت في شهر خمسة أيام ثم استحيضت في شهر بعده ردت إلى الخمسة ومن أصحابنا من قال : لا تثبت إلا بمرتين فإن لم تحض الخمس مرتين لم تكن معتادة بل هي مبتدأة ، ; لأن العادة لا تستعمل في مرة والمذهب الأول ، لحديث المرأة التي استفتت لها أم سلمة رضي الله عنها فإن النبي صلى الله عليه وسلم ردها إلى الشهر الذي يلي شهر الاستحاضة ; ولأن ذلك أقرب إليها فوجب ردها إليه ) .


[ ص: 443 ] الشرح ) قد سبق في آخر فصل المبتدأة أن ما يثبت بالعادة وما لا يثبت وما ثبت وما يثبت بالتكرار أربعة أقسام ، وأوضحناها هناك . والمراد هنا بيان ما تثبت به العادة في قدر المحيض والطهر وفيه أربعة أوجه ، أصحها باتفاق الأصحاب أنها تثبت بمرة واحدة مطلقا ، قال صاحب الحاوي : هذا ظاهر مذهب الشافعي ونص عليه في الأم وقال صاحب الشامل والعدة : هو نص الشافعي في البويطي ، وكذا رأيته أنا في البويطي ، قال القاضي أبو الطيب والمحاملي : هو قول ابن سريج وأبي إسحاق المروزي وعامة أصحابنا وبه قطع البغوي وغيره .

( والثاني ) لا تثبت إلا بمرتين وهو مشهور في الطرق كلها حكاه المتولي وغيره عن أبي علي بن خيران واتفقوا على تضعيفه .

( والثالث ) : لا تثبت إلا بثلاث مرات حكاها الرافعي عن حكاية أبي الحسن العبادي وهو شاذ متروك ، وقد نقل القاضي أبو الطيب والمحاملي والماوردي وإمام الحرمين وابن الصباغ والمتولي والروياني وآخرون اتفاق الأصحاب على ثبوتها بمرتين ، وأنهم إنما اختلفوا في المرة وأن اعتبار المرتين ضعيف .

( والرابع ) : تثبت في حق المبتدأة بمرة ولا تثبت في حق المعتادة إلا بمرتين ، حكاه السرخسي في الأمالي عن ابن سريج ونقله المتولي وغيره وقال الماوردي والدارمي في آخر كتاب المتحيرة : اتفقوا على ثبوتها بمرة للمبتدأة واختلفوا في المعتادة ; لأنه ليس للمبتدأة أصل ترد إليه ، فكان ما رأته أولى بالاعتبار من جعلها مبتدأة ، وأن الظاهر أنها في الشهر الثاني كالأول ، وأما الانتقال من عادة تقررت وتكررت مرات فلا تجعل بمرة ، وهذا الوجه وإن فخمه الماوردي والدارمي فهو غريب ، وقد صرح الجمهور بأن الخلاف جار في المبتدأة . فأما دليل الأوجه فقد ذكرنا دليل الرابع ، واحتجوا للثاني والثالث بأن العادة مشتقة من العود ، وذلك لا يستعمل إلا في متكرر ، وحجة الأول وهو المذهب ما احتج به المصنف والأصحاب من الحديث ; ولأن الظاهر أنها في هذا الشهر كالذي يليه ، فإنه أقرب إليها فهو أولى مما انقضى وأولى من رد [ ص: 444 ] المبتدأة إلى أقل الحيض أو غالبه ، فإنها لم تعهده بل عهدت خلافه ، وأما احتجاج الآخرين بأن العادة من العود فحجة باطلة ; لأن لفظ العادة لم يرد به نص فيتعلق به ، بل ورد النص بخلافه في حديث أم سلمة ، هذا تفصيل مذهبنا . وقال أبو حنيفة : لا تثبت العادة إلا بمرتين ، وعن أحمد رواية كذلك ، ورواية لا تثبت إلا بثلاث مرات ، وقال مالك في أشهر الروايتين عنه لا اعتبار بالعادة والله أعلم .

( فرع ) رأت مبتدأة في أول الشهر عشرة أيام دما وباقيه طهرا ، وفي الشهر الثاني خمسة ، وفي الثالث أربعة ثم استحيضت في الرابع ، قال أصحابنا : ترد إلى الأربعة بلا خلاف ; لتكررها في العشرة والخمسة ، ولو انعكس فرأت في الأول أربعة ، وفي الثاني خمسة واستحيضت في الثالث فإن أثبتنا العادة بمرة ردت إلى الخمسة ، وإن لم نثبتها إلا بمرتين ردت إلى الأربعة ; لتكررها هذا هو الأصح ، وفيه وجه أنها ليست معتادة وصححه إمام الحرمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية