صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله - تعالى - : ( وإن كانت معتادة مميزة ، وهي أن يكون عادتها أن تحيض في كل شهر خمسة أيام ، ثم رأت في شهر عشرة أيام دما أسود ، ثم دما أحمر أو أصفر واتصل ، ردت إلى التمييز وجعل حيضها أيام السواد وهي العشرة ، وقال أبو علي بن خيران ترد إلى العادة وهي الخمسة ، والأول أصح ; لأن التمييز علامة قائمة في شهر الاستحاضة فكان اعتباره أولى من اعتبار عادة انقضت ) .


( الشرح ) إذا كان عادتها خمسة من أول الشهر ثم استحيضت وهي مميزة ، فإن وافق التمييز العادة بأن رأت الخمسة الأولى سوادا وباقي الشهر حمرة فحيضها الخمسة بلا خلاف ، وإن لم يوافقها فثلاثة أوجه : ( الصحيح ) [ ص: 456 ] باتفاق المصنفين أنها ترد إلى التمييز ، وهو قول ابن سريج وأبي إسحاق قال البندنيجي : هو المنصوص . وقال الماوردي : هو مذهب الشافعي - رحمه الله - لقوله صلى الله عليه وسلم : " { دم الحيض أسود } ; ولأن التمييز علامة ظاهرة ; ولأنه علامة في موضع النزاع ، والعادة علامة في نظيره ، ، وسواء على هذا زاد التمييز على العادة أو نقص ، ( والثاني ) : ترد إلى العادة ، وهو قول ابن خيران والإصطخري ومذهب أبي حنيفة وأحمد لقوله : صلى الله عليه وسلم : " { لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن } " ولم يفصل ; ولأن العادة قد ثبتت واستقرت والتمييز معرض للزوال ، ولهذا لو زاد الدم القوي على خمسة عشر بطلت دلالته ، فعلى هذا لو نسيت عادتها فحكمها حكم ناسية لا تمييز لها ، وسيأتي بيانه إن شاء الله - تعالى - . وهذا الوجه وإن كان قد وجهناه توجيها حسنا فهو ضعيف عند الأصحاب .

قال الشيخ أبو حامد : قال أبو إسحاق المروزي : انكدر على أبي علي بن خيران وأبي سعيد : لم يأخذا بمذهب صاحبهما يعني الشافعي ، ولا صارا إلى دليل . وقال القاضي أبو الطيب : قال أبو إسحاق : هذا الذي قالاه غلط لا يعذر قائله ، ( قلت ) : وهذا إفراط .

( والوجه الثالث ) : إن أمكن الجمع بين العادة والتمييز حيضناها الجميع عملا بالدلالتين وإن لم يمكن سقطا وكانت كمبتدأة لا تمييز لها وفيها القولان . وهذا الوجه مشهور عند الخراسانيين ولكنه أضعف من الذي قبله . مثال ما ذكرناه : كان عادتها خمسة من أول الشهر فرأت خمسة سوادا ثم أطبقت الحمرة فحيضها خمسة السواد باتفاق الأوجه الثلاثة ، ولو رأت عشرة سوادا ثم أطبقت الحمرة فعلى الوجه الأول والثالث حيضها العشرة . وعلى الثاني حيضها خمسة من أول السواد ، ولو رأت خمسة حمرة ثم خمسة سوادا ثم أطبقت الحمرة فعلى الأول حيضها السواد وعلى الثاني خمسة الحمرة وعلى الثالث العشرة . ولو رأت عشرة حمرة ثم خمسة سوادا ثم أطبقت الحمرة ، فعلى الأول حيضها السواد وعلى الثاني خمسة من أول عشرة الحمرة وعلى الثالث عشرة الحمرة مع خمسة السواد . ولو رأت السواد يوما أو يومين أو ثلاثة أو أربعة أو ستة أو سبعة أو ما زاد إلى خمسة عشر ثم أطبقت الحمرة . فعلى الأول حيضها السواد مطلقا ، وعلى الثاني خمسة من أول الشهر مطلقا ، وعلى الثالث الأكثر من [ ص: 457 ] التمييز والعادة . ولو رأت خمسة حمرة ثم أحد عشر سوادا فعلى الأول حيضها السواد ، وعلى الثاني الحمرة ، وعلى الثالث لا يمكن الجمع . ويجيء على الأول وجه أن حيضها الحمرة بناء على تقديم الأولية على اللون في حق المميزة . ، وقد سبق بيانه ، ، وقد صرح به هنا صاحب الحاوي . فعلى هذا يتفق القول بالتمييز والقول بالعادة أن حيضها خمسة الحمرة ، وإنما يختلفان في مأخذه ، هل هو التمييز أو العادة ؟ كما قالوا فيما لو رأت خمسة سوادا ثم أطبقت الحمرة أو خمسة حمرة ثم أطبقت الصفرة ، فإن حيضها الخمسة الأولى على الأوجه كلها ، وإنما يختلفون في مأخذه ، ولو رأت عشرين حمرة ثم خمسة سوادا ثم أطبقت الحمرة فقال الفوراني والبغوي وصاحب العدة : الخمسة الأولى من أول الأحمر عادتها وأيام السواد حيض آخر وما بينهما طهر .

قالوا : وهذا متفق عليه وحكى الرافعي هذا ثم قال : ومنهم من قال هذا صحيح على الوجه الثالث ، وأما على الأول فحيضها السواد وطهرها المتقدم عليه خمسة وأربعون ، وصار دورها خمسين يوما . وإن قلنا : بالثاني فحيضها خمسة من أول الشهر وخمسة وعشرون بعدها طهر على عادتها والله أعلم .

( فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا أن العادة إذا انفردت عمل بها وإذا انفرد التمييز عمل به ، وإذا اجتمعا قدم التمييز على الصحيح ، وقال أحمد : يعمل بكل منهما على انفراده وتقدم العادة إذا اجتمعا ، وقال أبو حنيفة والثوري : لا يعتبر التمييز مطلقا ، وتعتبر العادة إن وجدت ، وإلا فمبتدأة ، وقال مالك : لا يعمل بالعادة وإنما يعمل بالتمييز إن وجد . .

التالي السابق


الخدمات العلمية