صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( وصلواته على محمد خير خلقه وعلى آله وصحبه ) .


" الشرح " أصل الصلاة في اللغة الدعاء ، هذا قول جمهور العلماء من أهل اللغة وغيرهم ، وقال الزجاج أصلها اللزوم ، قال الأزهري وآخرون : الصلاة من الله تعالى الرحمة ، ومن الملائكة الاستغفار ، ومن الآدمي تضرع ودعاء ، وأما تسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم محمدا فقال أهل اللغة : رجل محمد ومحمود إذا كثرت خصاله المحمودة . قال أبو الحسين أحمد بن فارس في كتابه ( المجمل ) : وبذلك سمي رسول الله صلى الله عليه وسلم محمدا يعني ألهم الله تعالى أهله تسميته به ، لما علم من خصاله [ ص: 119 ] المحمودة ، وأنشد أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري في صحاحه وغيره :

إليك أبيت اللعن كان كلالها إلى الماجد القرم الجواد المحمد

( القرم بفتح القاف : السيد وقوله : خير خلقه ) كذا قاله الإمام الشافعي والعلماء : أنه صلى الله عليه وسلم خير الخلق كلهم من الملائكة والآدميين .

فإن قيل : كيف قلتم بالتفضيل وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله : صلى الله عليه وسلم { لا تفضلوا بين الأنبياء } وفي الحديث الآخر : { لا تفضلوني على يونس } ؟ فالجواب من أوجه .

( أحدها ) : أن النهي عن تفضيل يؤدي إلى تنقيص بعضهم ، فإن ذلك كفر بلا خلاف ( الثاني ) : أنه صلى الله عليه وسلم { نهى قبل أن يعلم أنه خير الخلق فلما علم قال : أنا سيد ولد آدم } .

( الثالث ) : نهى تأدبا وتواضعا .

( الرابع ) : نهى لئلا يؤدي إلى الخصومة كما ثبت في الصحيح في سبب ذلك .

( الخامس ) : نهى عن التفضيل في نفس النبوة لا في ذوات الأنبياء . ولا تتفاوت النبوة وإنما التفاوت بالخصائص ، وقد قال الله تعالى : { فضلنا بعضهم على بعض ، منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات } . وأما قوله : ( وعلى آله ) فهو صحيح موجود في الكلام الفصيح ، واستعمله العلماء من جميع الطوائف . وذكر أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي في أول كتابه ( الاقتضاب في شرح أدب الكتاب ) أن : أبا جعفر النحاس وأبا بكر الزبيدي قالا : لا يجوز إضافة آل إلى مضمر ، فلا يقال : صلى الله على محمد وآله ، وإنما يقال : وأهله أو وآل محمد قال : وهذا مذهب الكسائي وهو أول من قاله ، وليس قوله وقولهما بصحيح ; لأنه لا قياس يعضده ولا سماع يؤيده .

قال : وقد ذكر أبو علي البغدادي أنه يقال : وآله في قلة .

وذكر المبرد في الكامل حكاية فيها إضافة آل إلى مضمر ، ثم أنشد أبياتا كثيرة للعرب في إضافة آل إلى مضمر منها قول عبد المطلب : [ ص: 120 ]

اللهم إن المرء يحمي     رحله فامنع رحالك
وانصر على آل الصليب     وعابديه اليوم آلك

يعني قريشا ، وكانت العرب تسميهم آل الله لكونهم أهل البيت .

، واختلف العلماء من أهل اللغة والفقهاء في آل النبي صلى الله عليه وسلم على أقوال ( أحدها ) وهو نص الشافعي وجمهور أصحابنا : أنهم بنو هاشم وبنو المطلب ( والثاني ) : عترته المنسوبون إليه .

( والثالث ) : أهل دينه كلهم وأتباعه إلى يوم القيامة .

قال الأزهري : هذا القول أقربها إلى الصواب واختاره أيضا غيره ، وأما صحابته صلى الله عليه وسلم ففيهم مذهبان .

( أحدهما ) وهو الصحيح وقول المحدثين : إن الصحابي كل مسلم رآه صلى الله عليه وسلم وبهذا قطع البخاري في صحيحه ، وسواء جالسه أم لا ( والثاني ) واختاره جماعة من أهل الأصول : هو من طالت صحبته ومجالسته على طريق التبع ، وأما قول الفقهاء : قال أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة وأصحابنا : فمجاز مستفيض للموافقة بينهم وشدة ارتباط بعضهم ببعض كالصاحب حقيقة ، ويجمع صاحب على صحب كراكب وركب ، وصحاب كجائع وجياع ، وصحبة بالضم كفاره وفرهة وصحبان كشاب وشبان . والأصحاب جمع صحب كفرخ وأفراخ والصحابة والأصحاب ، وجمع الأصحاب أصاحيب وقولهم في النداء " صاح " معناه صاحبي هكذا سمع من العرب مرخما ، وصحبته بكسر الحاء أصحبه - بفتحها - صحبة بضم الصاد وصحابة بالفتح . وإنما ثنى المصنف - رحمه الله - بعد حمد الله تعالى بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : { ورفعنا لك ذكرك } قال الشافعي في الرسالة ومواضع أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : معناه لا أذكر إلا ذكرت معي : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، وروينا هذا التفسير في كتاب الأربعين للرهاوي ، عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية