صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ذكر الشيخ أبو حامد أن أقل ما يحتمل أن يكون حيضا يوم من أول الشهر أو آخره ويوم وليلة من أول الشهر أو آخره ويكون بينهما خمسة عشر يوما [ ص: 508 ] طهرا ، ويحتمل ما بين الأقل والأكثر ، فيلزمها أن تتوضأ وتصلي في اليوم الأول من الشهر لأنه طهر مشكوك فيه ، ثم تغتسل لكل صلاة إلى آخر الرابع عشر لاحتمال انقطاع الدم فيه ، ويكون الخامس عشر والسادس عشر طهرا بيقين لأنه إن كان ابتداء الطهر في اليوم الثاني فالسادس عشر إلى آخر الشهر طهر مشكوك فيه . وقال شيخنا القاضي أبو الطيب : هذا خطأ لأنا إذا نزلنا هذا التنزيل لم يجز أن يكون ذلك حالها في الشهر الذي بعده ، بل يجب أن تكون في سائر الشهور كالمتحيرة الناسية لأيام حيضها ووقته فتغتسل لكل صلاة ، ولا يطؤها الزوج ، وتصوم رمضان وتقضيه على ما بيناه ) .


هذا كلام المصنف وكذا نقله المتأخرون عن الشيخ أبي حامد وكذا قطع بما قاله أبو حامد المحاملي وابن الصباغ وآخرون ، ونقله صاحب البيان عن أكثر أصحابنا وحكاه القاضي أبو الطيب في تعليقه عن أبي حامد ثم قال : وهذا خطأ بيقين ، لأنه يحتمل أن يكون اليوم الأخير حيضا ، فيعقبه خمسة عشر طهر من الشهر الثاني فلا يبقى بعد ذلك من الشهر الثاني ما يسع حيضتين قال وكذا قوله : إن الخامس عشر والسادس عشر طهر بيقين ; وليس بصحيح فيما سوى الشهر الأول قال : فالصواب في هذا أن يقال : هذا الذي قالته لا يتصور فكأنها لم تقل شيئا فهي متحيرة لا تحفظ شيئا قال : وإنما يصح ما ذكره أبو حامد فيما إذا قالت : لي حيضتان في شهر بعينه فيكون حكمها في ذلك لشهر بعينه ما ذكره وتكون فيما سواه متحيرة . هذا كلام أبي الطيب . وهذا الإنكار الذي أنكروه على أبي حامد متوجه على ما نقلوه من عبارة أبي حامد أنها قالت : لي في كل شهر حيضتان والذي رأيته أنا في تعليق أبي حامد إذا قالت لي حيضتان من الشهر والباقي طهر وهذه العبارة لا تقتضي تكرر ذلك في كل شهر . وأعلم أن الشيخ أبا حامد أرفع محلا وأعظم مرتبة من أن يخفى عليه هذا الذي نقلوه عنه وهو خطأ ظاهر لا يخفى على أقل متفقه شرح باب الحيض ، فيتعين حمل كلام الشيخ أبي حامد مما نقلته عن تعليقه أنها قالت : لي في الشهر الفلاني حيضتان فيكون حكمها ما ذكره ، وقد وافق عليه القاضي أبو الطيب كما سبق ولا شك في صحة هذا وعبارته تقتضيه .

أما عبارة من يقول ذلك فيما إذا قالت : لي في كل شهر حيضتان فمحمولة على هذا ; ومعناها لي في كل شهر أحيضه حيضتان ، وكنت أحيض [ ص: 509 ] في صفر وجمادى وشوال مثلا ، فحصل أن كلام أبي حامد صحيح وأنه ينبغي ألا يجعل بينه وبين أبي الطيب خلاف ، والله أعلم .

وأما قول المصنف : ( يحتمل ما بين الأقل والأكثر ) فمعناه أنه يحتمل أن حيضها ثلاثة أيام ; يومان في آخر الشهر ويوم في أوله ، ويحتمل عكسه ، ويحتمل أنه أربعة بعضها في أوله وبعضها في آخره ، وكذا خمسة وستة وسبعة وما بعدها إلى خمسة عشر بعضها في أوله وبعضها في آخره ، ويحتمل أن الحيض الأول في اليوم الأول ، ويحتمل في الثاني أو الثالث أو الثالث عشر وما بينهما ، والمقصود حيضتان بينهما خمسة عشر للطهر .

وأما قوله : ( فيلزمها أن تتوضأ وتصلي في اليوم الأول لأنه طهر مشكوك فيه ) فسببه أنه يحتمل أن الحيض الأول بعد اليوم الأول ، لقوله يحتمل ما بين الأقل والأكثر كما بيناه .

وأما قوله : ومن السابع عشر إلى آخر الشهر طهر مشكوك فيه فقد يتوهم من لا يفكر أن الطهر في هذه المدة على صفة واحدة ، وليس كذلك ، بل تتوضأ في السابع عشر لأنه لا يحتمل الانقطاع . بل تغتسل لكل فريضة لاحتمال الانقطاع في كل وقت ، وهذا متفق عليه ، أطبق أصحابنا الذين ذكروا المسألة على التصريح به . وذكر الشيخ أبو حامد في تعليقه فرعا حسنا لهذه المسألة فقال : لو قالت : لي في الشهر - يعني شهرا معينا - حيضتان ولي فيه طهر واحد متصل ، فاليوم الأول حيض بيقين ، لأنا لو جعلناه مشكوكا فيه لصار لها طهران ، وقد قالت طهر واحد ، ثم يحتمل ما احتملت المسألة الأولى أن تكون أربعة عشر من الأول حيضا ، وخمسة عشر بعدها طهر ، واليوم الأخير الحيضة الأخرى ، وأن يكون الأول حيضا وبعده خمسة عشر طهر ، والأربعة الباقية الحيضة الأخرى ، ويحتمل ما بين ذلك كما سبق . فاليوم الأول مع ليلته حيض بيقين ، وبعده تغتسل لكل فريضة إلى آخر الأربعة عشر ، والخامس عشر والسادس عشر طهر بيقين ، ثم تتوضأ لكل فريضة من أول السابع إلى آخر التاسع والعشرين ، واليوم الأخير حيض بيقين ، ولا يلزمها الاغتسال لكل فريضة بعد السابع عشر بخلاف المسألة قبلها ، لأنه لا يتصور الانقطاع هنا قبل آخر الشهر ، لأنه لو انقطع لم يبق بعده طهر كامل ، ولصار لها في الشهر أكثر من طهر واحد متصل ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية