صفحة جزء
[ ص: 555 ] قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ولا يجوز أن تتوضأ [ لفرض الوقت ] قبل دخول الوقت ; لأنها طهارة ضرورة فلا تجوز قبل وقت الضرورة ، فإن توضأت في أول الوقت وأخرت الصلاة فإن كان بسبب يعود إلى مصلحة الصلاة كانتظار الجماعة وستر العورة والإقامة صحت صلاتها ، وإن كان لغير ذلك ففيه وجهان أحدهما : أن صلاتها باطلة ; لأنها تصلي مع نجاسة يمكن حفظ الصلاة منها .

( والثاني ) : يصح ; لأنه وسع في الوقت فلا يضيق عليها ، وإن أخرتها حتى خرج الوقت لم يجز لها أن تصلي به ; لأنه لا عذر لها في ذلك ، ومن أصحابنا من قال : يجوز أن تصلي بعد خروج الوقت ; لأنا لو منعناها من ذلك صارت طهارتها مقدرة بالوقت وذلك لا يجوز عندنا ) .


( الشرح ) : مذهبنا أنه لا يصح وضوء المستحاضة لفريضة قبل وقتها ، ووقت المؤداة معروف ، ووقت المقضية بتذكرها ، وقد سبقت المسألة بفروعها في باب التيمم فتجيء تلك الفروع كلها هنا ، وقد سبق في النافلة المؤقتة وجهان ، ( أصحهما ) : لا يصح التيمم لها إلا بعد دخول وقتها .

( والثاني ) : يجوز ، وهما جاريان في وضوء المستحاضة .

وحكى إمام الحرمين وجها أنها لو شرعت في الوضوء قبل الوقت بحيث أطبق آخره على أول الوقت صح وضوءها وصلت به فريضة الوقت ، وهذا ليس بشيء ، ودليل المذهب أنها طهارة ضرورة فلا يجوز شيء منها قبل الوقت لعدم الضرورة .

وقال أبو حنيفة رحمه الله : يجوز وضوءها قبل الوقت .

ودليلنا ما ذكرناه والله أعلم .

قال أصحابنا : وينبغي أن تبادر بالصلاة عقيب طهارتها ، فإن أخرت ففيها أربعة أوجه : ( الصحيح ) منها : أنها إن أخرت لاشتغالها بسبب من أسباب الصلاة كستر العورة والأذان والإقامة والاجتهاد في القبلة والذهاب إلى المسجد الأعظم والسعي في تحصيل سترة تصلي إليها وانتظار الجماعة ونحو ذلك جاز ، وإن أخرت بلا عذر بطلت طهارتها لتفريطها .

( والثاني ) : تبطل طهارتها سواء أخرت بسبب الصلاة أو لغيره ، حكاه صاحب الحاوي وهو غريب ضعيف .

( والثالث ) : يجوز التأخير وإن خرج الوقت ولا تبطل طهارتها .

قال صاحب الإبانة : ما لم تصل الفريضة ، يعني بعد الوقت ، [ ص: 556 ] قال : وهذا قول القفال وشيخه الخضري قياسا على التيمم ، ولأن الوقت موسع فلا نضيقه عليها ، وخروج الوقت لا يوجب نقض الطهارة ، ولأن المبادرة لو وجبت خوفا من كثرة الحدث والنجس لوجب الاقتصار على أركان الصلاة ( والرابع ) : لها التأخير ما لم يخرج وقت الصلاة ، وليس لها الصلاة بعد الوقت بتلك الطهارة ; لأن جميع الوقت في حق الصلاة كالشيء الواحد فضبطت الطهارة به ، قال إمام الحرمين : وهذا الوجه بعيد عن قياس الشافعي مشابه لمذهب أبي حنيفة رحمه الله قال الإمام : فإن قلنا : تجب المبادرة فقد ذهب ذاهبون من أئمتنا إلى المبالغة في الأمر بالبدار .

وقال آخرون : ولو تخلل فصل يسير لم يضر .

قال : وضبطه على التقريب عندي أن يكون على قدر الزمن المتخلل بين صلاتي الجمع في السفر ، وقد سبق في باب التيمم أن المذهب المشهور أنه لا يلزم المتيمم المبادرة ، وأنها تلزم المستحاضة ، وأن بعض الأصحاب خرج من كل واحدة إلى الأخرى وجعل فيهما خلافا ، وأن المذهب الفرق ، وسبق بيان الفرق والله أعلم .

واذا توضأت المستحاضة للفريضة فقد سبق أنها تستبيح ما شاءت من النوافل وتبقى هذه الاستباحة ما دام وقت الفريضة باقيا ، فإذا خرج الوقت فوجهان حكاهما الشيخ أبو حامد وصاحب الحاوي وآخرون .

قال أبو حامد : الصحيح أنها لا تستبيح النفل بعد الوقت بذلك الوضوء ، وقطع البغوي بالاستباحة ، وقد سبق في باب التيمم أن من تيمم لفريضة فله التنفل بعد الوقت على أصح الوجهين ، والأصح هنا أنه لا يجوز لها ; والفرق أن حدثها متجدد ونجاستها متزايدة بخلاف المتيمم ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية