صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله - : يجوز رفع الحدث وإزالة النجس بالماء المطلق ، وهو ما نزل من السماء [ ص: 125 ] أو نبع من الأرض ، فما نزل من السماء ماء المطر وذوب الثلج والبرد والأصل فيه : قوله عز وجل { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به }


الشرح : قوله عز وجل { وينزل } قرئ بالتشديد والتخفيف قراءتان في السبع ، والنجس : بفتح الجيم هو عين النجاسة كالبول ونحوه ، وأما الماء المطلق فالصحيح في حده أنه العاري عن الإضافة اللازمة ، وإن شئت قلت : هو ما كفى في تعريفه اسم ماء ، وهذا الحد نص عليه الشافعي - رحمه الله - في البويطي ، وقيل : هو الباقي على وصف خلقته وغلطوا قائله ; لأنه يخرج عنه المتغير بما يتعذر صونه عنه أو بمكث أو تراب ونحو ذلك . واختلفوا في المستعمل ، هل هو مطلق أم لا على وجهين أصحهما : وبه قطع المصنف في باب ما يفسد الماء من الاستعمال وآخرون من محققي أصحابنا : أنه ليس بمطلق والثاني : أنه مطلق ، وبه قطع ابن القاص في التلخيص والقفال في شرحه وقال صاحب التقريب ابن القفال الشاشي : الصحيح أنه مطلق منع استعماله تعبدا .

قال القفال : وكونه مستعملا لا يخرجه عن الإطلاق ; لأن الاستعمال نعت كالحرارة والبرودة ، وإنما يخرجه عن الإطلاق ما يضاف إليه كماء الزعفران ، وسمي المطلق مطلقا ; لأنه إذا أطلق الماء انصرف إليه . وأما قوله نزل من السماء أو نبع من الأرض ، فكذا قاله غيره واعترض عليه بأن الكل من السماء قال الله تعالى : { أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض } والجواب من وجهين ( أحدهما ) : المراد بنبع ما نشاهده ينبع ، ولهذا فسره به فقال : وما نبع من الأرض ماء البحار إلى آخره ، والثاني : ليس في الآية أن كل الماء نزل من السماء ; لأنه نكرة في الإثبات ومعلوم : أنها لا تعم ، ويقال : نبع ينبع بفتح الباء في المضارع وضمها وكسرها ، والمصدر نبوع أي خرج ، وذوب الثلج ذائبه وهو مصدر ، يقال : ذاب ذوبا وذوبانا وأذبته وذوبته ، وإنما ذكر المصنف ذوب الثلج والبرد ; لأن في استعمالهما على حالهما [ ص: 126 ] تفصيلا سنذكره في فرع قريبا - إن شاء الله تعالى - ، ووجه الدلالة من الآية لما استدل به المصنف هنا : وهو جواز الطهارة بماء السماء ظاهر ، وهذا الحكم مجمع عليه ، واعترض بعض الغالطين على الفقهاء باستدلالهم بها ، وقال ماء نكرة ولا عموم لها في الإثبات . والجواب : أن هذا خيال فاسد ، إنما ذكر الله تعالى هذا امتنانا علينا ، فلو لم نحمله على العموم لفات المطلوب ، وإذا دل دليل على إرادة العموم بالنكرة في الإثبات أفادته ، ووجب حملها عليه والله أعلم .

فرع : قال أصحابنا إذا استعمل الثلج والبرد قبل إذابتهما ، فإن كان يسيل على العضو لشدة حر وحرارة الجسم ورخاوة الثلج صح الوضوء على الصحيح ، وبه قطع الجمهور لحصول جريان الماء على العضو ، وقيل : لا يصح ; لأنه لا يسمى غسلا ، حكاه جماعة منهم : أقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري صاحب الحاوي ، وأبو الفرج محمد بن عبد الواحد بن محمد الدارمي صاحب الاستذكار ، وهما من كبار أئمتنا العراقيين ، وعزاه الدارمي إلى أبي سعيد الإصطخري ، وإن كان لا يسيل لم يصح الغسل بلا خلاف .

ويصح مسح الممسوح وهو الرأس والخف والجبيرة ، هذا مذهبنا وحكى أصحابنا عن الأوزاعي جواز الوضوء به وإن لم يسل ، ويجزيه في المغسول والممسوح وهذا ضعيف أو باطل إن صح عنه ; لأنه لا يسمى غسلا ولا في معناه ، قال الدارمي : ولو كان معه ثلج أو برد لا يذوب ولا يجد ما يسخنه به صلى بالتيمم ، وفي الإعادة أوجه ثالثها : يعيد الحاضر دون المسافر بناء على التيمم لشدة البرد ، ووجه الإعادة ثم هذا الحال ( قلت ) أصحها : الثالث .

فرع : استدلوا لجواز الطهارة بماء الثلج والبرد بما ثبت في الصحيحين ، عن أبي هريرة : رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسكت بين تكبيرة الإحرام والقراءة سكتة يقول فيها أشياء منها : اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد وفي رواية : بماء الثلج والبرد } .

التالي السابق


الخدمات العلمية