صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وأما الدم فنجس لحديث عمار رضي الله عنه وفي دم السمك وجهان ( أحدهما ) : نجس كغيره ( والثاني ) : طاهر ; لأنه ليس بأكثر من الميتة ، وميتة السمك طاهرة فكذا دمه ) .


( الشرح ) : أما حديث عمار فضعيف سبق بيان ضعفه ، ويغني عنه [ ص: 576 ] حديث عائشة رضي الله عنها { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة : إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي } رواه البخاري ومسلم .

وعن أسماء رضي الله عنه قالت : { جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيض كيف تصنع به ؟ قال تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه } رواه البخاري ومسلم .

والدلائل على نجاسة الدم متظاهرة ، ولا أعلم فيه خلافا عن أحد من المسلمين إلا ما حكاه صاحب الحاوي عن بعض المتكلمين أنه قال : هو طاهر ، ولكن المتكلمين لا يعتد بهم في الإجماع والخلاف ، على المذهب الصحيح الذي عليه جمهور أهل الأصول من أصحابنا وغيرهم لا سيما في المسائل الفقهيات ، وأما الوجهان في دم السمك فمشهوران ونقلهما الأصحاب أيضا في دم الجراد ونقلهما الرافعي أيضا في الدم المتحلب من الكبد والطحال ، والأصح في الجميع النجاسة .

وممن قال بنجاسة دم السمك مالك وأحمد وداود . وقال أبو حنيفة : طاهر . وأما دما القمل والبراغيث والقراد والبق ونحوهما مما ليس له نفس سائلة فنجسة عندنا كغيرها من الدماء ، لكن يعفى عنها في الثوب والبدن للحاجة كما سنوضحه إن شاء الله تعالى .

وممن قال بنجاسة هذه الدماء مالك ، وقال أبو حنيفة : هي طاهرة ، وهي أصح الروايتين عن أحمد ، وأما قول المصنف ; لأنه ليس بأكثر من الميتة فكلام ناقص ; لأنه ينتقض بدم الآدمي ، فإنه نجس مع أن ميتته طاهرة على المذهب ، فينبغي أن يزاد فيقال : ميتته طاهرة مأكولة .

( فرع ) مما تعم به البلوى الدم الباقي على اللحم وعظامه ، وقل من تعرض له من أصحابنا ; فقد ذكره أبو إسحاق الثعلبي المفسر من أصحابنا ، ونقل عن جماعة كثيرة من التابعين أنه لا بأس به ، ودليله المشقة في الاحتراز منه ، وصرح أحمد وأصحابه بأن ما يبقى من الدم في اللحم معفو عنه ولو غلبت حمرة الدم في القدر لعسر الاحتراز منه ، وحكوه عن عائشة وعكرمة والثوري وابن عيينة وأبي يوسف وأحمد وإسحاق وغيرهم ، واحتجت عائشة والمذكورون بقوله تعالى : { إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا } قالوا : فلم ينه عن كل دم بل عن المسفوح خاصة وهو السائل .

التالي السابق


الخدمات العلمية